ميكايلا كويل في لمحة تضامنية مع المرأة السودانية الثوب جعلني أشعر بالقوة والأناقة

صحيفة الهدف

بقلم: د. منال جنبلان

في لمحة تاريخية تضامنية، ظهرت النجمة السينمائية البريطانية الجنسية ميكايلا كويل على السجادة الحمراء بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سبتمبر 2025، وهي ترتدي الثوب السوداني بكامل أناقته وملحقاته من الحناء والإكسسوار، في رسالة واضحة دولياً بتضامنها مع السودان وهو يرزح تحت نيران الحرب اللعينة.

ولعل اختيارها لارتداء الثوب السوداني يبعث بإشارة واضحة للمرأة السودانية بأنها ليست وحدها، ولن تترك لتعاني دون سند من ويلات الحرب المنسية. كما تتضمن هذه اللفتة الرائعة خطاباً بليغاً للضمير الإنساني الدولي من أجل الالتفات لما يحدث في السودان من انتهاكات تطال النساء والأطفال ومن تدمير للبنيات التحتية.

قالت كويل لمجلة فوغ إن النساء السودانيات كن في الخطوط الأمامية لكل ثورة في السودان، حتى أن عام 2019 كان يسمى ثورة نسائية. وأضافت أنها تستوحي من مرونتهن وتصميمهن، وأرادت أن تشيد بهن وتساعد في إعطاء قصصهن منصة للتعريف. كما أوضحت أنها اختارت الإسبريسو لأن النساء ذوات البشرة الداكنة يواجهن التحيز والاضطهاد في السودان، مؤكدة أن اللون جميل ويجب أن يُنظر إليه على هذا النحو، مشيرة إلى أن الثوب جعلها تشعر بالأناقة والقوة.

ميكايلا كويل ذات الأصل الغاني تعد من ممثلي المستوى الأول، إذ حازت على جائزة إيمي عام 2021 عن كتابتها لسيناريو المسلسل (قد أدمرك)، لتكون أول امرأة سوداء تحصل على هذه الجائزة. وفي عام 2018 دُعيت كويل لمهرجان إدنبرة التلفزيوني لتلقي كلمة، لتكون أيضاً أول امرأة سوداء تلقي كلمة رئيسية في هذا المحفل الدولي الهام. وقد حظي خطابها عن العرق والطبقة الاجتماعية والجنس على شهرة واسعة، كشفت فيه عن تعرضها للتخدير والاغتصاب، كما تلقت اعتذاراً رسمياً من مدرسة جيلدهول عن العنصرية التي تعرضت لها أثناء دراستها فيها.

كويل أعطت الثوب السوداني بعداً اجتماعياً وثقافياً في رسالة تحمل في طياتها عبارة واضحة مفادها أن من تعرض للظلم يأبى أن يراه يسود.

الثوب السوداني.. أيقونة وهوية

ارتبطت هوية المرأة السودانية بالتوب السوداني كما يُطلق عليه دارجاً، ولم تُذكر المرأة السودانية إلا وكان ثوبها موضوع فخر وعزة واحتشام. عُرفت به وبنكهته التقليدية الوطنية بين الدول الإفريقية والأقطار العربية، فيكفي أن تراها المرأة وهي ترتديه لتفطن مباشرة إلى أنها سودانية حتى دون أن ترى ملامحها.

تعود أصول التوب السوداني، في بعض الروايات، إلى فترة البجراوية، وتشير إلى أن أول من ارتدته هي الملكة الكنداكة. ومن ثم أصبح بمثابة الهوية الوطنية الثقافية للمرأة السودانية، وظل يتطور ويتأقلم دون أن يفقد شيئاً من جماله وحشمته ورونقه الأنثوي الطاغي. فقد بدأ برداء فضفاض في عهد البجراوية، ثم تطور إلى قطعتين تُحاكان إلى بعضهما بالكروشيه أو بالتطريز. وتمت صناعته من القطن السوداني ليظهر بعد ذلك في شكل موديلات حملت عناوين من قبيل الطرقة، وتوب الكرب السادة الجابوه النقادة.

ومر بحقبة استيراده من مصانع سويسرا كأجمل ما يكون التوتال السويسري، والذي أبدعت المرأة – بجانب التجار – في تسميته وعولمته، حيث حمل في بعض المراحل أسماء مثل أبو كنار والمفستن، كما واكب دخول عربات النجدة الزرقاء فأسمته بوليس النجدة.

ولم يتخلف الثوب عن مواكبة الأحداث السياسية فحمل أسماء مثل دقة كندا، أوكامبو، السفير ونيفاشا. وكذلك أسماء سياسيين مثل عيون زروق ولوممبا. ثم جارى التغيرات الاجتماعية ليصبح ضلع الدكاترة، والهمر، والشبح، والمرسيدس.

الثوب السوداني في الأدب والفن

احتفى الشعراء بالثوب وجعلوه موضوع غزل وإشارة للمحبوبة، تصريحاً أو تلميحاً. فأشار إليه الموسيقار الراحل محمد وردي في أغنيته (من غير ميعاد) قائلاً:

وخطاكي

والهدب المكحل

وفتنة التوب الأنيق

وتغنى به علي إبراهيم اللحو قائلاً:

شوف عيني الحبيب

بحشمة لابس التوب

كما تغنى به أبو عركي البخيت قائلاً:

شفت التوب وما لاقاني أجمل منو

بس التوب وسيد التوب يكون كيفنو

وفي ذاكرة الشعب السوداني ما تزال صورة كوكب الشرق أم كلثوم وهي ترتدي الثوب السوداني عند زيارتها الخرطوم عام 1968، دعماً للمجهود الحربي المصري. وكذلك الفنانة المصرية سمية الألفي في الفيلم السوداني المصري (رحلة عيون) مع الراحل المقيم صلاح بن البادية.

الثوب السوداني.. تاريخ ونضال

كان الثوب السوداني حاضراً في مسيرة تعليم الفتاة، إذ ارتدته مقبولة بابكر بدري عام 1907 عند دخولها أول مدرسة لتعليم البنات بأمدرمان. وكان أيقونة المقاومة الوطنية ضد المستعمر حين ارتدته العازة محمد عبد الله وهي تقود المواكب وتتصدر المقاومة عام 1924. وهو ذاته الثوب الذي ارتدته السريرة مكي عبد الله الصوفي وهي تحيك علم السودان ذي الثلاثة ألوان عام 1955.

وظل التوب حاضراً كأيقونة لانتفاضة ديسمبر المجيدة عام 2019، بعد أن كان من قبل الزي الموحد للعاملات في الحكومة والقطاع الخاص. غير أن الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وموجة الغلاء التي شملت كل شيء بما في ذلك الملبوسات، دفعت بالنساء للتخلي عن الثوب شيئاً فشيئاً، والبحث عن بدائل أقل كلفة من الموضات العالمية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.