أمجد السيد
تتعرض الأحزاب السياسية السودانية هذه الأيام لحملة منظمة تستهدف تشويه صورتها، ومحاولة إلصاق الفشل الوطني بها، رغم أن الحقيقة أوضح من أن تُطمس. فمنذ استقلال السودان عام 1956، لم تُمنح الأحزاب الفرصة الحقيقية لتولي السلطة وإدارة الدولة، إلا لفترات قصيرة ومتوترة سرعان ما انقض عليها العسكر.
حكم الفريق إبراهيم عبود ست سنوات، والمشير جعفر نميري ستة عشر عامًا، ثم جاء عهد البشير وحلفائه الإسلاميين ليستمر ثلاثين عامًا كاملة، كرّسوا خلالها الاستبداد والفساد والدمار. ومنذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، لا يزال العسكر وحلفاؤهم يمسكون بمفاصل السلطة، ويواصلون إقصاء القوى المدنية.
في المقابل، عانت الأحزاب السياسية طوال تلك العقود من المطاردة والقمع؛ تعرّضت عضويتها للاعتقال والتشريد والتعذيب والقتل، ومع ذلك ظلّت تحمل شعلة النضال من أجل الحرية والديمقراطية. ورغم هذه التضحيات، يصر البعض على محاكمتها بجريرة فشل لم ترتكبه، بل ارتبط بالأنظمة العسكرية والانقلابية التي أهدرت ثروات السودان وأشعلت حروبه.
إن وراء هذه الحملات المشبوهة مجموعات من الانتهازيين، يراهنون على تغييب الأحزاب ليفسحوا المجال أمام العسكر كي يسدوا الفراغ، ظنًّا منهم أن السودان يمكن أن يُدار بلا حياة حزبية. لكن الحقيقة المؤكدة أن لا ديمقراطية بلا أحزاب، ولا حرية بلا تعددية، ولا سلام بلا مشاركة سياسية واسعة.
نعم، الأحزاب تحتاج إلى إصلاح وتجديد وتطوير برامجها لتواكب طموحات الأجيال الجديدة، لكنها تبقى الركيزة الأساسية لأي حكم مدني ديمقراطي. أما محاولات استئصالها فلن تقود إلا إلى مزيد من الديكتاتورية والشمولية، وهي الطريق الذي جرّبناه طويلاً ولم يحصد السودان منه سوى الدماء والانهيار.
إن مستقبل السودان لن يُبنى إلا على قاعدة الأحزاب، فهي التي تعبّر عن المجتمع، وتتيح التنافس السلمي، وتؤسس لشرعية تقوم على صناديق الاقتراع لا على فوهات البنادق. ومن يريد بديلاً عن الأحزاب، إنما يريد بديلاً عن الديمقراطية نفسها.

Leave a Reply