بقلم: د. منال جنبلان
رحلت شاعرة الأحزان وملهمة الغناء الشعبي، بعد أن ذرفت “دموع الغربة” وغسلت “أحزان البنات” في أجمل ما يمكن أن تكتبه الأنثى في الحب و”قصص الريد”.
رحلت الشاعرة حكمت ياسين (1952-2019) وفي ذكرى وفاتها أمس الأول، بعد رحلة طويلة مع مرض السكري ومضاعفاته، لتجسد قصيدتها الرائعة “الجرح جرحي براي” وهي تعاني وحدها من الإهمال المتكرر من الساحتين الثقافية والفنية.
تقول حكمت في إحدى المقابلات التلفزيونية، إنها وُلدت بالموردة، الحي الأمدرماني العتيق، منبع الإبداع والمبدعين، وترعرعت به طفلة يحيط بها الإبداع في أجمل صور الفن والغناء والشعر. كيف لا وحولها وأمامها عباقرة الفن السوداني أمثال: إبراهيم عبد الجليل، التوم عبد الجليل، أولاد الموردة، والفذ مبارك المغربي، وشقيقته المذيعة الأروع ليلى المغربي، وغيرهم من نجوم المجتمع السوداني؛ لاعبي كرة القدم: عمر التوم، عمر عثمان، بكري عثمان، وآخرين من المطربين أمثال: فيصل أب شلة وبهاء الدين أب شلة، فساهم كل هذا الدفق الإبداعي المتنوع في تشكيل شعرية حكمت ياسين.
تقول حكمت: “بدأت أكتب الشعر قبل أن أكمل عامي الثالث عشر، تزوجت وعمري 15 عاماً، حينها فهمت أن ما أكتبه ليس خربشات كما كنت أسميها، بل فهمت أنها شعر، وخفت أن أبوح بها، خفت من زوجي كثيراً، لأن الشعر الغرامي بمنظور مجتمعنا آنذاك غير مقبول”.
تحدثت إلى زوجها الأستاذ الصحافي هاشم حسن موسى بأنها تحاول أن تكتب، ولدهشتها ولحسن حظها معاً أخبرها بأنه لا يمانع كتابتها للشعر. تقول حكمت: فكان هذا هو الضوء الأخضر الذي بعده كانت حكمت وكان شعرها.
كلما سُئلت حكمت عن دور زوجها في مسيرتها الشعرية تقول إنه ساعدها ومنذ زواجهما في إكمال تعليمها الذي لم تكن قد أنهته، ثم توظفت في عدد من الوزارات والإصلاح الإداري وقصر الشباب والأطفال، ثم شجعها بالتوجه إلى دار فلاح وبالاطلاع على تجارب الشعراء والفنانين هناك. حملت في يدها 3 تجارب شعرية، وعرضتها على الشاعر مبارك المغربي وقالت: هذه محاولات أرجو أن تكون “كويسة”، فرد عليها بدهشة أنه عمل فني ناضج، ونصحها بالحضور إلى ندوات دار فلاح كل أربعاء. وقد كان، وأصبحت من أوائل المنضمين لاتحاد الأغنية السودانية.
تعرفت حكمت في دار فلاح على بشير عتيق، خليفة الصادق، ورحب بها الصادق إلياس وإبراهيم الرشيد، محمد يوسف موسى والتجاني حاج موسى كأول تجربة أنثوية في الشعر الغنائي، واستصحبت معها كلتا صديقتيها الشاعرة آمنة خيري والشاعرة السمرقندية محمد، وتقول إنها انحازت للغناء الشعبي في دار فلاح لحبها وتأثرها بغناء الحقيبة.
أول قصيدة غنائية كتبتها كانت “تعال بالباب، أديني كتاب” التي لحنها وتغنى بها الفنان شرحبيل أحمد، مع اشتراطها عليه بألا يذكر اسمها، فالمجتمع لا يقبل الأنثى المغرمة!! وتلتها “ظلم الدنيا” التي رأت أن شرحبيل غناها وأوصل إحساسها تماماً كما شعرت به عند كتابتها.
تقول حكمت: عندما سمعت شرحبيل يتغنى بـ”تعال بالباب” في برنامج (تحت الأضواء مع حمدي) أحسست بفرحة عارمة، وطربت لها بشدة حتى إنني لم أسمع نداء والدتي التي عاتبتني، فقلت لها: “يمة الظروف”، لتكتمل فيما بعد لقصيدة غنائية تُعد من أروع الأغاني السودانية والتي تغنى بها محمود تاور.
سكبت الشاعرة حكمت ياسين كل الدفء والمشاعر التي يجيش بها صدرها في قصائدها الغنائية، فكانت “الجرح جرحي براي” مع الفنان الشعبي عبد الوهاب الصادق، ثم تلتها قصيدة “صدقني ما بقدر أعيد” مع الفنان كمال ترباس، ولاقت رواجاً فنياً غير اعتيادي، وهي القصيدة ذات الثلاثة عقود من العمر.
شكلت حكمت ياسين ثنائية غنائية مع الفنان الصاعد آنذاك محمود تاور، وتحولت إلى الغناء الحديث فكتبت له “يمة الظروف”، و”ما بتسيبو حالك ياها الغيرة ذاتا”، و”وليا سنين بريدك ما فترت عواطفي”، و7 نصوص أخرى.
ومن الفنانات المطربات كانت الأقرب لها المبدعة سمية حسن التي تغنت لها بـ4 نصوص شعرية.
أما عن لقائها بالفنان زيدان إبراهيم في رائعته “البني بينك”، فهي تذكر أنها طلبت من الفاتح قميحة أن يغنيها، فتفاجأت أثناء إقامتها بالمملكة العربية السعودية بأن زيدان إبراهيم هو من تغنى بالنص. وتذكر أنها عندما سألته كيف وصل إليه، أخبرها بأن هذا النص يشبهه تماماً.
وعن رأيها في الجيل الصاعد من الشباب الفنانين، كانت تؤكد على ضرورة دعمهم حتى لا يصاب الغناء السوداني بمرض الغناء الهابط، فكان أن جمعها العمل الفني “في الحالتين أنا ضائع” مع الفنان الشاب جمال فرفور، وقصيدة أخرى للفنان طه سليمان.
للراحلة الشاعرة الحزينة حكمت عدة دواوين منها: “أحزان البنات”، و”عذاب الغربة”، وديوان “مشاعر” الذي أنتجته بمعية الشاعرة ورفيقة دربها آمنة خيري.

Leave a Reply