اقتصاد العلاقات: (من التنافس إلى التكامل) (4)

صحيفة الهدف

أ‌. ابو بكر ضياء الدين

أ. طارق عبد اللطيف أبو عكرمة

مقدمة: (من اقتصاد السوق إلى اقتصاد القلوب) إذا كان الاقتصاد التقليدي يدرس كيفية إدارة الموارد النادرة، فإن (اقتصاد العلاقات) الذي نطرحه هنا يبحث في كيفية إدارة المشاعر النادرة، مثل: الثقة، والتقدير، والاحترام. إنه اقتصادٌ يعيد تعريف مفهوم الثروة، فليست الثروة فيما نملك، بل فيما نمنح. في هذه المقالة، ننتقل من فلسفة الصراع على الموارد إلى فن صناعة الوفرة المعنوية والمادية.

1. نقد ثقافة الندرة: (المرض السوداني العضال): تقول القاعدة (ما يوجد يكفي الجميع). هذه العبارة البسيطة تحمل ثورةً على نمط التفكير القائم على الندرة والصراع. فالمشكلة في السودان ليست في نقص الموارد، بل في سوء توزيعها، وفي النظرة التنافسية العدائية لها.

كما تكشف القاعدة التالية: (لا تستطيع أن تأكل أكثر من ملء معدتك)، عن عبثية الصراع على الموارد. فكم من ثرواتٍ هدرناها في صراعاتٍ على مواردَ كنا سنكتفي بنصيبٍ ضئيلٍ منها لو أحسنا توزيعها.

أما القاعدة التي تقول:(لا تُبخس عمل الآخرين)، فتكشف عن أحد مظاهر ثقافة الندرة؛ عدم الاعتراف بجهود الآخرين، وكأن الاعتراف بهم يقلل من حظوظنا. هذه النظرة تقتل روح التعاون وتغذي الصراع.

2. ثقافة الوفرة: السودان يتسع للجميع: تقول القاعدة أن:(الحياة تتسع لي أنا وأنت وغيرنا)، هذه ليست مجرد عبارة تفاؤلية، بل هي حقيقة أنثروبولوجية: المجتمعات التي تتبنى ثقافة الوفرة، تكون أكثر استقراراً وازدهاراً من تلك التي تعيش بذهنية الندرة.

وتؤكد القاعدة: (كما لك حق فلغيرك حق)، على المبدأ الأساسي للعدالة التوزيعية. فالثروة ليست كعكةً محدودةً يتقاتل عليها الناس، بل هي حديقةٌ يمكن للجميع أن يزرعوا فيها ويجتنوا ثمارها.

في السودان، نحتاج إلى التحول من اقتصاد الريع القائم على احتكار الموارد، إلى اقتصاد الإنتاج القائم على المشاركة في خلق الثروة.

3. اقتصاد التقدير:( العملة الأكثر ندرةً وقيمة): تقدم هذه القواعد نظريةً اقتصاديةً بديلةً تقوم على رأس المال العاطفي، وكما يلي:

أ‌. (الناس بحاجة للتقدير والتحفيز والشكر): هذه القاعدة تكشف أن الحاجات المعنوية لا تقل أهمية عن الحاجات المادية. فالإنسان لا يعيش بالخبز وحده، بل بالاعتراف والتقدير أيضاً.

ب‌. (انظر للجانب الإيجابي في شخصيتي) هذه دعوة للتحول من اقتصاد العيب (التركيز على الأخطاء) إلى (اقتصاد الفضيلة) التركيز على الإيجابيات.

ت‌. (ابتسم وأنظر للناس باحترام وتقدير)، الابتسامة والاحترام عملةٌ لا تكلف شيئاً، لكنها تخلق ثروةً عاطفيةً هائلة.

4. التعاون: (الآلة الاقتصادية الأكثر كفاءة): تقول القاعدة:(أنا وأنت ننجز العمل بسرعة وبأقل جهد)، هذه ليست مجرد ملاحظة، بل هي قانون اقتصادي- اجتماعي، يؤكد على أن التعاون يزيد من الكفاءة الإنتاجية ويقلل من التكاليف. في عملية إعادة الإعمار في السودان، يمكن تطبيق هذا المبدأ عبر:

أ‌. المشاريع التعاونية بين مختلف المناطق والجماعات

ب‌. تقسيم العمل حسب المهارات النسبية لكل مجموعة

ت‌. تبادل الخبرات بين مختلف التخصصات والخلفيات

5. التطبيق: (نحو عقد اقتصادي- اجتماعي جديد): لتحويل هذه المبادئ إلى واقع، نحتاج إلى:

أ‌. إصلاح النظام الاقتصادي

– الانتقال من اقتصاد الريع إلى اقتصاد الإنتاج.

– تطبيق مبدأ العدالة في توزيع الثروات والفرص.

– تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التعاون

ب‌. إصلاح النظام التربوي

– تعليم ثقافة الوفرة بدلاً من ثقافة الندرة.

– ترسيخ قيم التعاون والتكامل بدلاً من التنافس السلبي.

– تعزيز الثقة بين مختلف مكونات المجتمع.

ث‌. إصلاح الخطاب الإعلامي

– التحول من خطاب الصراع إلى خطاب التعاون.

– تسليط الضوء على نماذج النجاح التعاوني.

– تعزيز ثقافة الاعتراف بالجهود الجماعية

خاتمة: (من اقتصاد الغنيمة إلى اقتصاد الغنى) التحول من ثقافة الندرة إلى ثقافة الوفرة ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة وجودية للسودان. فالبلد الغني بالموارد والمتنوع بالطاقات لا ينقصه شيء سوى ثقافة التعاون التي تحول هذه الإمكانات إلى ثروة حقيقية للجميع.

القاعدة التالية تقدم خلاصة هذه الرؤية: (ليكن شعارك وقناعتك في الحياة: يغلب على الناس الخير والحب والطيبة)، هذه القناعة ليست سذاجة، بل هي رؤية استراتيجية تبني عليها المجتمعات نهضتها.

في المقالة الخامسة والأخيرة، سننتقل إلى البعد التحرري: (الحرية الشخصية والحدود: حتى لا يصبح القبول ذوباناً).

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.