
سهيلة بورزق
كاتبة جزائرية
#ملف_الهدف_الثقافي
من يُعَدّ الصديق، في المفهوم الأخلاقي والاجتماعي، انعكاسًا لقيمة الوفاء والالتزام الوجداني المتبادل. غير أنّ التجربة الإنسانية تكشف أنّ الصداقة ليست مجرد علاقة شكلية أو رابطة ظرفية، بل هي موقف وجودي يتجلى في لحظات الحسم، حيث يُختبَر الولاء على محكّ المواقف. فالصديق الذي يقف على الحياد في القضايا الجوهرية، فلا هو إلى جانبك في محنتك ولا هو ضدك بشكل صريح، إنما يختار موقعًا ملتبسًا يفرّغ الصداقة من معناها الحقيقي.
فالحياد في مواضع تستلزم الدعم لا يُعَدّ حيادًا بريئًا، بل هو صورة من صور التواطؤ الضمني مع الطرف المناوئ. إذ إنّ الامتناع عن مساندتك في وقت الحاجة هو، من الناحية الأخلاقية، شكل من أشكال النكوص عن جوهر الصداقة. ومن ثمّ، يمكن القول إنّ الصديق الذي لا ينحاز إلى الحقّ ولا يُظهر تضامنًا صريحًا، قد اختار بوعي أو بغير وعي الاصطفاف في الضفة المقابلة، أي أنه أصبح ضدك بالفعل، ولو تقنّع بقناع الحياد.
بهذا المعنى تُختَبر الصداقة لا في لحظات الفرح أو السكينة، بل في اشتداد الأزمات وتكاثف الضغوط. والحياد هنا ليس سوى موقف سلبي يقوّض قيمة الصداقة نفسها، ويحوّلها إلى مجرد علاقة اسمية خالية من المضمون. ومن ثمّ، فإنّ الصديق الذي لا يكون معك حين ينبغي أن يكون، لا يُمكن أن يُعَدّ صديقًا، بل خصمًا صامتًا.
Leave a Reply