
د.أحمد الليثي
#ملف_الهدف_الثقافي
السودان اليوم يقيم في المنزلة بين المنزلتين؛ لا هو ثورة كاملة تُفضي إلى دولة جديدة، ولا هو دولة مستقرة تغلق جراحها.
إنه فضاء معلق، منطقة وسطى في الفكر بين الإطلاق والإلغاء، لا يكتمل ولا يُمحى، يظل برزخًا مفتوحًا على الاحتمال.
السياسة عندنا صارت جدلية الهوية والثانوية: نخب ليست أصلًا في التغيير ولا بديلًا عنه، تتأرجح بين المعارضة والسلطة، بين شعارات الثورة ومساومات البقاء.
إنهم كمرتكب الكبيرة عند واصل بن عطاء: لا مؤمنون حقًا، ولا كافرون تمامًا، بل عالقون في منزلة تكشف عجزهم وقلة حيلتهم.
والحرب أيضًا تسكن هذا البرزخ: لا هي نصر يُعلن، ولا هزيمة تُنهي، بل جرحٌ مفتوح يعلق البلاد في زمن بلا نهاية، يستهلكها على عتبة سلام لا يأتي وموت لا يكتمل.
حتى المواطن السوداني صار صورة لهذه الفلسفة: قلبه مشدود بين اليأس والأمل، بين الخراب الذي يراه بعينيه والحلم الذي يرفض أن يموت بداخله.
يعيش كل يوم كمن يُعلّق بين نورٍ يتشكل وظلمة تتسع لتبتلعه.
هكذا يغدو السودان نصًا جديدًا على سؤال واصل القديم: “هل نحن مؤمنون حقًا بالثورة؟ أم كافرون بها؟”.
والجواب المرير: إننا عالقون في المنزلة بين المنزلتين.. حيث يتحول المؤقت إلى قدرٍ أبدي، فلا نصل إلى ثورة تكتمل، ولا إلى دولة تستقر.
Leave a Reply