
عبد العزيز الهشابة
#ملف_الهدف_الثقافي
ما زال النهار غائمًا بعد هطول تلك الأمطار، وكلما إزداد هبوب الرياح كلما جفت الأرض وتماسكت، بعد أن تصرفت تلك المياه وأصبحت بركًا متقطعة أيضًا، الحيشان خلت من الماء، إما بالثصريف أو أن الأرض قد شربتها، فلم يبق من أثر المطر إلا ذلك الجو الرائع والمحفز لأي شيء ينوي القيام به، فانصرف بعضهم لتحضير علف حيوانته لياتي بعد ذلك الحليب، وها هم تجار السوق أمام متاجرهم مستمتعين بهذا الجو الرائع، فمنهم من أشعل سيجارة ومنهم من حشي كدوسه، وآخرون جهزوا أنفسهم للعب “السيجه”، ومجموعة تحلقت بالقرب من جدو عبد الله.. ولجدو عبد الله هذا حكاوي لا يملها الناس، فهو قد حضر الحرب العالمية الثانية، كان سائقًا في ليبيا.. يساله أحد الحاضرين: يا جدنا عبد الله قالوا في زمنكم السواق سواق، ما زي أولاد اليومين ديل.. فينعدل جدو عبد الله في جلسته ويسرح قليلًا، ثم يرد على سائله: شوف يا ولدي، نحن كنا بنشتغل مساعدين صغار كم سنه نغسل ونترسل، بعدين بتبقى مساعد كبير كم سنة.. ولازم سواقك يكون واثق منك حتى يديك العربية تسوقها، وإنت مساعد كبير بتفرتق المكنة دي مسمار مسمار، ما في حاجه اسمها ورش ومكنيكيه، إنت بتكون في الصحراء.. العربية ممكن تقد مكنة، بتنزلوها إنت والمساعد الكبير، بتعمروها وتربطوها تاني.. ديل والله الواحد كان العربية كلتشيها قلب ما يعرف يصلحو، ديل سووايق ديل.
وفجاءة وكأن الحديث جاب ما كانو يتحدثون عنه، ياتي صوت من بعيد يشق السكون، داوو داوو.. فيسال أحدهم ده شنو؟ فيجيبه الآخر: ده البص وصل. وتعلو الصيحات شدو.. أبو الزفت.. سوي ليه.. داوووداووو.. ارفع يازول، أديه أبو شنب، يا جدو عبد الله رايك شنو؟ شوف الشغل ده كيف.. دوو.. دووو، وتعلقت الأبصار بمصدر الصوت، وأخيرًا ظهر البص.. الطين يغطي كل جنباته ..والمساعد عريان إلا من فنيله وترينق لا تميز لهن لون سوى لون الطين.. يا زول حمد لله على السلامة، المطره دي لاقتكم وين.. ما بعيده، بعد الترعه 11.. فيتدخل أحدهم ليثبت أنه عالم ببواطن الأمور: ما قلت ليكم المطره دي قريبه، ساكت غالطوني.. يا خي نحن بنعرف الولد من شبتو والمطر من كبتو..
سلامة.. سلامة.. يا ود البحر أبوي ماجا معاكم؟
لا والله ما لاقانا، بيكون عنده شغله ماسكا لي بكره.. يا ود البحر عمي عمر بيقول ليك جبت معاك الدواء.. ااي جبتو، بس قول ليه دايرين منك جنيهين لقيناه زايد.. وهكذا تنتهي قصة وصول البص لتبدأ قصة جديدة. كثير من الحيطان لا تسقط إلا بعد وقوف المطره بزمن حسب ارتواء الطين.. فيسمع علي ود المرضي صوت طقطقه في مرق البيت فيقول لمن حوله: يا جماعة امرقو العفش من الأوضه دي ما تقع فيه.. يا زول أوضه شنو البتقع، المطرة وقفت قبيل، هي في المطرة ما وقعت تقع هسي!.. يا زول ماشفت أوضه ناس بشير وقعت متين، بعد ثلاثة يوم من المطره.. أنا غايتو بسوي العلي، نمرق العفش وبعد داك نشوف.. ويبدأ علي في نقل السراير والمراتب، فيستجيب من حوله ويبدأون في مساعدته.. دي وديها أوضه عمتك سعاد.. لا دي ختها في الراكوبة.. ااي دي وديها المطبخ.. وهكذا إلى أن فرغت الغرفة، وكأنها كانت تنظرهم حتى يفرغوا من العمل بها.. وقد جلسوا جميعًا قدام الراكوبة في الحوش الثاني لتناول الغداء. يا ولد املا الإبريق.. يا بت جيبي جك المويه.. يا أحمد نادي عمك الزين قول ليه الغداء.. خليهم يدقو لينا شطه.. وروووو الأوضه لزمت الواطه، والغبار ملا الحوش.. يا لطيف يا لطيف.. الأوضه وقعت والجيران ومن كان في الشارع امتلأ بهم الحوش.. يا ناس سلامة سلامة لعل ما في زول اتعوق.. وقعت في العفش؟.. لالا العفش طلعناهو كلو.. ألف سلامة ألف سلامة. يا ناس اتفضلو.. لا والله جاهزين كنا بنشرب في الشاي سمعنا رووو جينا جارين. يا ناس اتغدو معانا عندنا عصيدة بي لوبه.. لا والله بالهنا، سبقناكم هسع.. وينفض السامر إلا من نساء قليلات خصمتهن علوية بالرسول يضوقن غداها.. وجلس علي المرضي ويده داخل القدح، شفتو كيف ماقلت ليكم والله كان باريت كلامكم كان عفشنا في خبر كان..
Leave a Reply