
أ. أبويكر ضياء الدين أ. طارق عبد اللطيف أبو عكرمة
مقدمة: (من ثقافة الصدام إلى فن التلاقي): الحوار ليس معركة يحسمها المنتصر، بل هو جسر تُبنى عبره جسور التفاهم. في مجتمع مزقته الصراعات، يصبح إتقان فن الحوار ضرورة وجودية، وليس ترفاً فكرياً. هذه المقالة تحاول أن تكون دليلاً عملياً للتحول من ثرثرة الصم إلى حوار يبني ولا يهدم.
1. تحويل الحوار: من معركة إلى بحث مشترك: حيث تشير القاعدة الى أن (الحوار للإقناع وليس للإلزام) هنا تكمن النقلة النوعية من منطق القوة إلى قوة المنطق. فالحوار الحقيقي لا يسعى إلى سحق الخصم، بل إلى توسيع دائرة الفهم المشترك. وهو ما تؤكده هذه القاعدة (ساعدني على توضيح رأيي)، التي تحول الحوار من مواجهة إلى شراكة في البحث عن الحقيقة.
وتكتمل الصورة مع القاعدة التالية:(ساعدني أن أفهم وجهة نظرك)، هذه العبارة البسيطة تحمل ثورة في منهجية الحوار، فهي تعترف باحتمال وجود زاوية نظر أخرى، وتفتح الباب أمام فهم أعمق للواقع.
2. نقد ثقافة التصيّد: المرض السوداني العضال: القاعدة التالية تحذر من: (لا تحكم عليّ من لفظ أو سلوك عابر)، فكم من حوارٍ جميل دُمّر بسبب كلمة غير موفقة أو عبارة أُسئ تفسيرها. وهذا يقودنا إلى القاعدة: (لا تتصيد عثراتي) التي تكشف عن أحد الأمراض المزمنة في خطابنا السوداني، حيث يتحول الحوار إلى عملية تنقيب عن الأخطاء بدلاً من البحث عن الحقائق. أما القاعدة التالية: (لا تمارس عليّ دور الأستاذ) فهي تنتقد ظاهرة التكبر الفكري التي تجعل أحد الطرفين يحاول فرض رأيه كما لو كان يحمل الحقيقة المطلقة.
3. التدريب العملي: من (أنت مخطئ) إلى (ساعدني لأفهم): التحول من ثقافة الصدام إلى ثقافة الحوار يحتاج إلى تمارين عملية، منها:
أ. تمرين إعادة الصياغة: (بدلاً عن أنت مخطئ)، حاول أن تقول: (هل يمكن أن تساعدني في فهم كيف وصلت إلى هذه النتيجة؟).
ب. تمرين الاستفسار بدلاً من الهجوم: بدلاً من قول (هذا الكلام غير صحيح)، قل (أنا أرى الأمر بشكل مختلف، هل يمكن أن تشرح لي وجهة نظرك؟).
ت. تمرين الفصل بين الشخص والفكرة: انتقد الفكرة دون أن تهاجم صاحبها. قل (أحترم رأيك، لكني أختلف مع هذه الفكرة لأن……).
4. التطبيق على قضايا السودان: الفيدرالية والعلمانية أنموذجاً لنأخذ مثالين شائكين في النقاش السوداني:
أ. نقاش الفيدرالية: بدلاً من وصف الخصم بـ(الانفصالي) أو (المركزي المتسلط)، يمكن تحويل الحوار إلى:
– ما هي مخاوفك من تطبيق الفيدرالية؟
– كيف يمكننا تطبيق نموذج فيدرالي يحقق العدالة ويحافظ على الوحدة؟
– ما هي التجارب الدولية التي يمكننا الاستفادة منها؟”
ب. نقاش العلمانية: بدلاً من اتهام الطرف الآخر بـ(الكفر) أو (التخلف)، يمكن طرح الأسئلة:
– كيف ترى علاقة الدين بالدولة في التجربة السودانية؟
– ما هي ضمانات حقوق الأقليات في نموذجك المقترح؟
– كيف يمكننا تحقيق دولة تحترم الجميع وتضمن حرية الجميع؟
خاتمة: (نحو ثقافة حوار جديدة): إتقان فن الحوار يحتاج إلى شجاعة أكبر من الصدام، لأنه يحتاج إلى تواضع فكري ونضج. فهم القاعدة، وهذا المنهج: (فهمي لك لا يعني القناعة بما تقول)، فالفهم شرط مسبق للحوار، وليس النتيجة الحتمية له.
السودان بحاجة إلى ثورة في ثقافة الحوار، من (ثقافة الفائز يأخذ كل شيء) إلى ثقافة (الجميع رابح). فالحوار الجيد لا ينتصر فيه طرف على آخر، بل تنتصر فيه الحكمة الجماعية على الغباء الفردي.
في المقالة القادمة، سننتقل إلى البعد النفسي والاجتماعي للعلاقات: (نظرية المرآة: كيف أرى نفسي فيك؟).
Leave a Reply