
#ملف_الهدف_الثقافي
عصام حسن إبراهيم
من طبيعة البشر أن يختلفوا في المواقف والرؤى، غير أن بعض الخلافات تبدأ من تفاصيل صغيرة لا تستحق الوقوف عندها أصلًا، ثم ما تلبث أن تتضخم فتزرع الفتنة وتكدر صفو القلوب. وهنا تبرز قيمة الترفع عن الصغائر وتجاوزها، فهي سلوك يرسخ الحكمة، ويمنح العلاقات الإنسانية فرصة للبقاء نقية متماسكة.
إن الحياة اليومية، بما تحمله من ضغوط وأعباء، لا تحتمل المزيد من الجفاء وسوء الظنون. فحين يُخفي عنك صديق أو قريب أمرًا ما، لعل الأولى أن تتفهم ذلك وتحترم خصوصيته، بدلًا من أن تنشغل باللوم أو تظن به السوء. فلكل إنسان ظروفه وأسراره التي قد لا يُفصح عنها حتى لأقرب المقربين، وليس من الحكمة أن نثقل على القلوب بالعتاب المفرط.
إن التماس الأعذار للآخرين يفتح أبواب الرحمة، بينما كثرة اللوم تُغلقها وتزيد المسافات بعدًا.
لقد أوصى علماء الاجتماع والتربية بأن يقوم التواصل الإنساني على الثقة المتبادلة وحسن الظن، باعتبارهما الركيزة الأساسية لبناء مجتمع متماسك. والإنسان بطبيعته يحتاج إلى من يُقدّر خصوصيته، أكثر مما يحتاج إلى من يُحاسبه على كل صغيرة وكبيرة. فالثقة تمنح العلاقات قوتها، بينما الشكوك والظنون تُضعفها وتستنزفها.
ومن منظور ديني، فإن هذه القيم لم تأتِ اعتباطًا، بل وردت في الأثر لتؤكد أن حسن الخلق وسماحة النفس ينفعان كل مؤمن، وأن التواضع وقضاء حوائج الناس يرفعان شأنه، وأن الصدقة وصلة الرحم يدفعان عنه البلاء. فهي منظومة متكاملة من الأخلاق والسلوكيات تجعل حياة المؤمن أكثر صفاءً، وتمنحه حصانةً روحية واجتماعية.
ولعلّنا إذا تأملنا واقعنا اليوم سنجد أن كثيرًا من الخلافات العائلية والاجتماعية يمكن تجاوزها لو تحلّينا بسعة الصدر وأحسنّا الظن، ولأدركنا أن في التسامح قوة، وفي كظم الغيظ رفعة، وفي احترام خصوصيات الناس حمايةً للودّ من الانكسار.
إننا في حاجة ماسة إلى أن نعيد إحياء هذه القيم في حياتنا اليومية، لتصبح ممارسة عملية وليست مجرد شعارات. فإذا عاملنا الآخرين بالثقة والرحمة، ورددنا على الإساءة بالصبر، وتغاضينا عن الهفوات الصغيرة، سنجد أن القلوب قد اقتربت، وأن المجتمع بات أكثر قوة وصلابة في مواجهة تحدياته.
فاللهم أكرمنا بهذه الصفات، وازرع في نفوسنا نورها وبهاءها، واجعل من حسن الخلق وسماحة النفس زادًا لنا في دنيانا وآخرتنا.
Leave a Reply