صراع الشرعية هل سيقود إلى تفكك الدولة؟

صحيفة الهدف

محمد الأمين أبو زيد

تعكس الحرب في السودان، في إحدى عناوينها، قضية الشرعية الدستورية كقضية معقدة في ظل التحولات السياسية والصراع المستمر من أجل دستور دائم منذ الاستقلال 1956 وحتى ثورة ديسمبر الشعبية 2019، وما استتبعها من تطورات حتى حرب 15 أبريل 2023.

الشرعية الدستورية هي مبدأ قانوني وسياسي يشير إلى التزام الدولة بالدستور باعتباره المرجع الأعلى والأسمى في تنظيم شؤون الحكم والعلاقات بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وهي من الأسس الجوهرية لقيام دولة القانون.

تعرّف الشرعية الدستورية بأنها هي الصفة القانونية التي تكتسبها السلطة أو المؤسسات أو القوانين عندما تتوافق مع أحكام الدستور، وهنا يصبح الدستور مصدر أساسي للمشروعية.

تكمن أهمية الشرعية الدستورية في أنها تضمن سيادة القانون وتمنع الاستبداد، وتحقق الاستقرار السياسي عبر تنظيم انتقال السلطة والتداول السلمي، وحماية الحقوق والحريات من تجاوز وعسف السلطة، وتعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.

إن من مظاهر غياب الشرعية الدستورية:

-وصول السلطة إلى الحكم بطرق غير دستورية (الانقلابات).

-مخالفة القوانين للدستور.

-تعطيل العمل بالدستور أو تعديله بطرق غير قانونية.

-تجاهل الرقابة القضائية على دستورية القوانين.

-ضياع مبدأ الفصل بين السلطات.

تاريخيًا مر السودان بعدة دساتير انتقالية وانقطعت فيه الشرعية الدستورية مرارًا لأسباب الانقلابات العسكرية التي اختصمت 56 عامًا من مسيرة التطور الوطني الدستوري.

مثلت الوثيقة الدستورية 2019، أساس الشرعية الدستورية بعد ثورة ديسمبر، ونظمت الفترة الانتقالية وحددت هياكل الحكم واختصاصاتها (مجلس السيادة، مجلس الوزراء، والمجلس التشريعي). وقد أُقِرًت بعد توافق سياسي وليس استفتاء شعبي.

رغم المآخذ على الوثيقة الدستورية؛ إلا أنها أعادت الأمل بعودة دولة القانون والمؤسسات، ومثّلت مرجعًا مؤقتًا لحين إعداد دستور دائم.

من العقبات التى واجهت الوثيقة الدستورية هشاشة الاتفاق السياسي وعدم التزام الأطراف بتنفيذ ما ورد فيها.

بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021؛ تم تعليق العمل بالوثيقة الدستورية جزئيًا بما يخدم أهداف الانقلاب، الأمر الذي أحدث فراغًا دستوريًا وعودة للحكم العسكري المباشر، وفقدت الشرعية الدستورية لأن السلطة الحاكمة الآن لم تكن قائمة على دستور معتمد من الشعب ولا على اتفاق سياسي، بل هى انتهكت الوثيقة الدستورية بالانقلاب عليها مما عقّد المشهد السياسي وفاقم الصراع السياسي والعسكري وصولًا إلى الحرب بين الجيش والدعم السريع.

الوضع الدستوري لحكومة البرهان وحميدتي

يعتبر وضعهما الدستوري غير شرعي في ظل الوضع السياسي والدستوري الحالي في البلاد، ووفقًا للتكييف القانوني والدستوري فإن الوثيقة الدستورية 2019، هي المرجعية الدستورية الوحيدة المعترف بها وقد استمدت شرعيتها من توافق سياسي بعد ثورة ديسمبر 2018. ووفقًا لهذه الوثيقة فإنه لا يجوز تعديلها أو إلغاؤها إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي.

إن التكييف الدستوري لحكومتي بورتسودان ونيالا يتمثل في:

-انتهاك الشرعية الدستورية؛ حكومة بورتسودان تعتمد تعديلات غير قانونية للوثيقة الدستورية، وحكومة نيالا لم تقم على إطار دستوري رسمي.

-حالة الانهيار الدستوري التي تعيشها البلاد منذ 25 أكتوبر 2021 وحرب 15 أبريل 2023.

-غياب التوافق المدني والسياسي وتعاظم حالة الانقسام السياسي.

-أي حكومة تتأسس بفقدان الشرعية الدستورية تهدد وحدة السودان لا سيما في ظل بروز خطاب الكراهية والعنصرية.

-الوضع الحالي يعزز فرص التقسيم والانفصال لا سيما في ظل الدعوات (الصنجاء) الهادفة لاستمرار الحرب.

إن ضعف الشرعية الدستورية في السودان مرده إلى غياب التوافق الوطني الواسع بين القوى السياسية حول مشروع وطني دستوري، بالإضافة إلى غلبة السلطة العسكرية على الحياة السياسية منذ الاستقلال، وعدم احترام الدساتير والمواثيق من قبل الحكام.

إن الطريق نحو الشرعية الدستورية يتطلب وقف الحرب وبناء السلام وابتدار عملية سياسية شاملة بمشاركة القوى السياسية والمدنية، تستهدف تأسيس سلطة مدنية ديموقراطية بمهام محددة؛ في صدارتها إعداد دستور دائم يعبر عن توافق شعبي عريض.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.