بين قطار الشفيع وموانئ مصطفي.. حنين ومنافي

صحيفة الهدف

محمد شريف
#ملف_الهدف_الثقافي
في الأغنية السودانية، شكلت وسائل النقل أكثر من مجرد خلفية سردية؛ كانت رموزًا للوجدان الجمعي، تعكس تحولات المجتمع، تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان. وبينما تناول عثمان الشفيع القطار كرمز للوصال والحنين، أعاد مصطفى سيد أحمد صياغة الموانئ والمطارات كفضاءات للمنفى والبحث عن الذات.
في 17 يناير 2014 كتب د.مجدي علي مقالًا بعنوان ارصفة الموانئ والزمن الفلاني. تناول فيه رمزية “أرصفة الموانئ في أغاني مصطفي سيد أحمد. الكاتب عبد الرحمن أحمد بركات يصف في مقاله “سنوات الرحيل المر وذكرى الفن الخالد” بصحيفة “التغيير” كيف أن المطار والميناء في أغاني مصطفي ليسا مجرد أماكن، بل تجليات للمنفى الداخلي والانتظار.
كثير من النقاد يشيرون إلى أن مصطفى سيد أحمد أعاد تعريف مفردات الغربة والرحيل في الأغنية السودانية، حيث أصبحت الموانئ والمطارات رموزًا للانكسار والتمرد، لا مجرد خلفيات سردية. في جلسات نقدية وشهادات شعراء مثل محمد طه القدال، وخطاب حسن أحمد، ظهرت إشارات إلى هذه الرموز كجزء من “جغرافيا الحنين” التي أسسها مصطفى في تجربته الفنية.
في السابق كان القطار حاضرًا في الأغاني السودانية، معبرًا عن الم الفراق وأمل اللقيا. في أغنية القطار المرّ، التي كتبها محمد عوض الكريم القرشي، يظهر القطار كرمز للحب والشوق، حيث يسافر الحبيب عبر المحطات، وتظل العيون تلاحق المدى. الأغنية تنبض بإيقاع شعبي، وتغني للقاء، لا للفقد.
“القطار المرّ.. وقلبي معاه سافر”
القطار هنا ليس وسيلة للهروب، بل وسيلة للوصال. المحطة ليست نهاية، بل بداية لقاء. الأغنية تحتفي بالحركة، وتُغني للريف والمدن، وللأم التي تنتظر، وللحبيب الذي يعود.
في المقابل، في أغنية الرحيل في زمن الموانئ، يغدو المطار والميناء رمزين للشتات، حيث لا أحد ينتظر، ولا أحد يعود. الرحيل ليس اختيارًا، بل قدرًا وجوديًا.
“أحمل حقيبتي.. ولا شيء فيها سوى الوطن”
المطار فضاء للوداع، لا للقاء. الحقيبة رمز للهوية الممزقة، لا للهدايا القادمة من السفر. الأغنية تطرح سؤالًا عن معنى الوطن حين يصبح بعيدًا، وعن الذات حين تتشظى في المنفي.
فكأنما كانت سبعينيات القرن الماضي فاصلًا بين زمن متفائل، حيث كانت السكة الحديد رمزًا للتقدم، وزمن مأزوم حيث أصبح السفر فعلًا وجوديًا، والمطار والميناء رمزين للشتات والبحث عن الذات. بين زمن الشوق، اللقاء، الحنين، الوحدة الوطنية وزمن الغربة، الفقد، الانتظار، الوطن الممزق.
المحطة كفضاء لقاء وانطلاق نحو الأهل والقطار تعبير عن الحب والوصال والحنين، وطن يُعاش في التنقل، ويُحتفل به في اللقاءات. المطار والميناء كفضاء عبور نحو المجهول وتعبير عن الانكسار والبحث عن الذات، وطن يُحمل في الحقيبة، يُبحث عنه في المنفى.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.