
أحمد مختار
#ملف_الهدف_الاقتصادي
لا خلاف أن الحرب وإفرازاتها خلّفت مئات الآلاف من الضحايا، بين قتلى وجرحى ومرضى ومعاقين حركيًا ونفسيًا، لم تُحصَ أعدادهم بعد، لأن آلة الموت ما زالت تحصد في الأرواح والأنفس والثمرات، ودُمرّت بنى تحتية عديدة يصعب بناؤها في المستقبل القريب. وهناك دمار وتخريب واسع وإهدار هائل للموارد الطبيعية غير منظورة، لأن اهتمام وسائل الإعلام منصب على الأحداث والوقائع المثيرة في مجريات الحرب، رغم أن ذلك الخراب لا يقل فداحة عن فقد الأرواح والممتلكات، لأنه يعني موارد الأجيال المقبلة في البيئة الطبيعية والموارد الناضبة تحت الأرض.
فمن المعلوم أن 35% من مساحة السودان تعاني من التصحر الحاد، وهناك 16 من 18 ولاية مهددة بالتصحر وتراجع فيها الغطاء النباتي بشكل كارثي، بإبادة أغلب الغابات المحجوزة وغير المحجوزة، والتي تشكل 15.8% من مساحة البلاد. وانخفض إنتاج المحاصيل من 2.1 مليون طن إلى 1.9 مليون طن نتيجة لإزالة الغابات وتدهور التربة، ويتأثر 3.6% بالحرائق. وهناك 154 نوعًا من النباتات غير الخشبية تُستخدم في الغذاء والصناعات اليدوية والطب الشعبي، كما تسهم الغابات بـ3 جوالات من الفحم مقابل كل أسطوانة غاز، وتوفر الغابات 15% من فرص العمل في الريف. ورغم ذلك تنشط شبكات محلية وإقليمية في قطع وتهريب الأخشاب والحطب والفحم لدول الجوار، مستغلة حالة الفوضى التي أحدثتها الحرب. وتفيض وسائل الإعلام بصور الغابات التي أبيدت، وذهبت تحذيرات أنصار البيئة من الكارثة الوشيكة أدراج الرياح، ومن المتوقع أن تفقد البلاد 1.2 مليار دولار، هو متوسط إسهام الغابات في الدخل القومي، بالإضافة إلى أن الغابات تمثل المرعى الطبيعي لكامل قطيع الثروة الحيوانية في بلادنا.
أما الموارد تحت الأرض، وخاصة الذهب والنحاس والكروم والأحجار النفيسة والرمال النادرة، فقد سيطرت عليها أطراف الحرب والميليشيات المتعددة، ووفرت لها الحماية الأمنية بقوة السلاح، ومكنتها من آليات التعدين وأساليب النهب والتهريب بطرق غير مشروعة، وتفتقر للحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية تجاه الشعب وأجياله المقبلة، وبلا دراسات للأثر البيئي لهذا النشاط الخطر. وتعمل تلك الشركات تحت بصر سلطات حكومات الأمر الواقع، غير مكترثة للقوانين الدولية والاتفاقيات التي تنظم وتحكم استخدام هذه المواد وللمحافظة على صحة الإنسان وحماية البيئة من التلوث والتدمير. وعملت أطراف الحرب والميليشيات المساندة لها على قهر المجتمعات القبلية والسكانية بالتفتيت وتطبيق سياسة المستعمرين والمحتلين المعروفة بـ(فرق تسد)، وأغرت الشيوخ والعمد والأعيان وزعماء العشائر بالرشاوى، والحديث عن تنمية تلك المجتمعات! وقهرت لجان مناصرة وحماية البيئة والناشطين بالاعتقالات والتهديد مرة، وبالتهم الملفقة والدعاوي الباطلة مرات. واليوم هناك مئات الشركات التي تعمل في جغرافية السودان في أكثر من 150 موقعًا في البحر الأحمر ونهر النيل وحلفا وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وشمال وغرب كردفان، وكلها تُستخدم فيها مواد سامة ومحرمة دوليًا كالزئبق والسيانيد، ومواد أخرى مميتة تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل تلف الدماغ والكلى والأعضاء الحساسة، وتلوث المياه والمناطق السكنية والأنهار. وقد ظهرت آثار صحية في مناطق كثيرة منها تشوه الأجنة وحالات الإجهاض المستمر للحوامل، والحساسيات الجلدية، ونفوق الحيوانات والطيور، وغيرها من الآثار التي وثّقها الأطباء وخبراء الكيمياء والصحة العامة، والتي ستظهر عبر المياه والتربة والبيئة الملوثة. لكل ذلك، على الشعب السوداني والقوى السياسية والمنظمات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الإنسان؛ العمل لرفع الوعي المجتمعي بهذه التحديات والضغط على أطراف الصراع وإجبارهم على الانصياع لخيار السلام ووقف الحرب، فبلادنا مهددة بالزوال والفناء من الخارطة، وهناك من يتربص بمواردها البكر التي لم نحسن استخدامها ورعايتها.
- بعض الأرقام الواردة في المقال لمدير الهيئة القومية للغابات السابق عبد العظيم ميرغني.
Leave a Reply