رغم أن السودان بلد غني بالموارد الزراعية والمعدنية والنفطية، إلا أن شعبه يرزح منذ عقود تحت الفقر والجوع والمرض. والسبب ليس نقصاً في الخيرات، بل هو صراع السلطة والثروة بين أبناء الوطن أنفسهم، الذين حولوا موارد البلاد من نعمة إلى نقمة.
لقد دفع السودانيون ثمناً باهظاً لهذا الصراع المستمر: انعدام الاستقرار السياسي، حروب لا تنتهي، وتمزق في النسيج الاجتماعي انتهى بانفصال الجنوب، بينما لا تزال ألسنة النار تلتهم ما تبقى من البلاد. والنتيجة اليوم واحدة: السودانيون في الداخل والخارج يكتوون بنيران الحرب، لكن معاناة الداخل أعمق وأشد، حيث الفقر والجوع والمرض وانعدام الخدمات.
ومع ذلك، تصر حكومة الأمر الواقع على تسخير كل موارد الدولة في تغذية آلة الحرب، بينما تُترك المدارس والمستشفيات والأسواق للفوضى والانهيار. وفي الوقت ذاته، يقوم الإعلام الموالي بترديد خطاب الحرب، يبررها ويزينها ويضخمها حتى صار الأعلى صوتاً لأنه مدعوم بالمال والسلاح. في المقابل، يظهر إعلام وطني شريف يدعو لوقف الحرب، لكنه ضعيف الإمكانيات محدود الأثر، وإلى جانبه إعلام آخر غارق في قضايا بعيدة عن هموم المواطن اليومية.
لكن الشعب السوداني يحتاج اليوم إلى خطاب إعلامي جديد، مختلف في لغته وأهدافه. إعلام يخاطب الناس جميعاً بلغة بسيطة، بعيدة عن التنظير والاصطفاف السياسي، يضع احتياجاتهم أمام أعينهم: الخبز، الدواء، الأمن، التعليم، السلام. خطاب يعرّي الحرب ويكشف كلفتها الحقيقية: دماء تُسفك، أطفال يُيتمون، أمهات يترملن، وشباب يُدفعون إلى محرقة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
المطلوب هو إعلام يُحشد ضد الحرب، لا بالخطابات الفوقية ولا بالشعارات الجوفاء، بل بالكلمة الصادقة والصورة المؤثرة والقصة الإنسانية. إعلام يعيد للسودانيين وعيهم الجمعي بأن الحرب ليست قدراً محتوماً، وأن السلام ليس ترفاً بل ضرورة للحياة.
لقد آن الأوان أن نكسر احتكار الأصوات الموالية للحرب، وأن نصنع منابر حرة تعكس الحقيقة كما هي: أن السودانيين لا يريدون سوى العيش بكرامة، وأن كل من يطيل عمر الحرب إنما يسرق حاضر الشعب ومستقبله.

Leave a Reply