د. عصام علي حسين
لدى لقائه بوالي ولاية نهر النيل بمدينة الدامر أعلن وزير الثروة الحيوانية، د. أحمد التيجاني المنصوري، أن الخطة الاستراتيجية لوزارته ستبدأ من ولاية نهر النيل عبر إنشاء مدينة كبيرة للإنتاج والتصنيع الحيواني بالمنطقة الحرة، لتكون نواة لمشروعات قومية تعزز الاقتصاد الوطني وتستقطب الاستثمارات.
وأوضح التجاني أن مدينة الإنتاج الحيواني ستضم مزارع للأبقار والضأن والماعز والإبل، إضافة إلى مصانع لتصنيع اللحوم وتعبئتها وفق المعايير العالمية، والحصول على شهادات جودة دولية مثل “الآيزو” لضمان المنافسة في الأسواق العالمية. كما ستشمل مصانع للألبان ومنتجاتها، ومصانع للجلود ومشتقاتها كالحقائب والأحذية والأحزمة والملابس الجلدية، فضلًا عن إدخال منتجات ثانوية مثل قرون الأبقار والمصارين في دائرة التصنيع.
وأكد التجاني أن اختيار ولاية نهر النيل جاء لما تتميز به من قربها من موانئ التصدير ومنافذ التسويق الإقليمي والعالمي، فضلًا عن توفر المراعي والميزات النسبية في مجال الإنتاج الحيواني، الأمر الذي يضمن وصول المنتجات طازجة إلى الأسواق العربية والأوروبية.
أعتقد أن ما قدمه السيد الوزير يمثل خطة طموحة ومدخلًا أساسيًا وضروريًا لإضافة قيمة لمنتجاتنا الحيوانية والتي قطعًا سوف تنعكس إيجابًا على واقعنا الاقتصادي والاجتماعي.
ولكن في تقديري أن الخطوة الأولى لتحقيق هذا الطموح المشروع هي وقف الحرب ومعالجة آثارها الاجتماعية والاقتصادية، خاصة وأن السيد الوزير يتحدث عن مورد اقتصادي يقع بالكامل في النطاق الجغرافي لسيطرة قوات الدعم السريع، وبالتالي من الصعوبة بمكان، إن لم يكن من الاستحالة، التخطيط لمشروعات استراتيجية تتطلب بنية تحتية متينة ومكلفة ماليًا ولا تملك موادها الخام، وفي ظل مستقبل سياسي مجهول النتائج، متلاطم التوقعات، متأرجح الافتراضات ما بين وطن موحد، انفصال، كونفيدرالية.
إلا إذا كانت الخطة وُضعت بفرضية مآلات الانفصال كنهاية حتمية لإنهاء الحرب وتقاسم الأرض، وهذا الاستنتاج يؤكده اختيار ولاية نهر النيل كبديل لولايات دارفور وكردفان صاحبة الميزة النسبية لإنتاج الثروة الحيوانية، واختيار المزارع الرعوية كوسيلة للإنتاج بدلًا عن نظام البداوة والترحال، آخذين في الاعتبار أن 90% من حجم القطيع القومي يقع في القطاع التقليدي ومملوك للقبائل التي تمتهن الترحال كنمط حياة.
كما أن المشروعات الاستراتيجية تتطلب وضع خطة فنية مصحوبة ببنية تحتية متطورة ومتكاملة تبدأ بمشروع إحصاء حيواني شامل وتحديد نسبة السحب بدقة، مصحوبًا بمشروعات تعريف وتتبع الحيوان، ووضع الخطط اللازمة لسد الفجوة العلفية، وتحسين السلالات، إضافة إلى تبني وتنفيذ نظام وخطة واضحة لمكافحة واستئصال الأمراض الوبائية والأمراض العابرة للحدود معتمدة من الـ OIE، وتأهيل المعامل والمستشفيات البيطرية، وتصميم محاجر وإنشاء مسالخ وأسواق الماشية بمواصفات عالمية، مع تطبيق نظام الهاسب HACCP كأولوية فنية سابقة لنظام الآيزو، وقبل كل ذلك تأهيل وتدريب الكادر البشري الذي يقود هذه الطفرة التنموية، وإحداث ثورة قانونية لتحديث أغلب القوانين المنظمة لأنشطة الثروة الحيوانية إن لم يكن كلها.
إن تنفيذ المشروعات التنموية يتطلب استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا، مدخله الأساسي إيقاف الحرب وإزالة خطاب الكراهية وتمتين أواصر الوحدة الوطنية، وإلا ستظل التصريحات مجرد فرقعة إعلامية لا تتجاوز الفضاء الذي أُطلقت فيه.

Leave a Reply