لم يكن ميلاد الرسول، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم في العام 570م، في جزيرة العرب حدثًا بشريًا عاديًا، بل كان نقطة تحوّل كبرى، سبقتها إرهاصات النبوة، غيَّرت مجرى تاريخ البشرية ونقلت العروبة بجناح الإسلام إلى رحاب الإنسانية. كيف لا، وقد استطاع النبي الأمي، في زمن وجيز، أن يوّحد العرب روحيًا واجتماعيًا وسياسيًا في تلك البيئة القاسية الموحشة، وأن يخلق منهم قوة جبارة منسجمة، تتميز بعمق الإيمان وصلابة الفكر، والجرأة في اقتحام وكشف المجهول، لتُنجز أعظم التحولات الروحية والحضارية في تاريخ الكون، وتبني إمبراطورية عظمى تمتد من حدود الهند شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا.
إن احتفال المسلمين بالمولد النبوي في كل عام هو تجديد روحي ونفسي وفكري، وتجذير لإيمانهم برسول البشرية الخاتم، وربط لحاضرهم بماضيهم المتفرد. فما كان أن تتحقق كل تلك التحولات الكبيرة في حياتهم بغير زعامته وقيادته لهم، بالقدوة الحسنة، وما أحوجهم اليوم لتمثّل كل القيم والمعاني الملهمة التي جسدتها حياته.
فقد جمع الرسول محمد بين القول والفعل، والروح والعقل، وقيم السماء والأرض، وقدّم للإنسانية نموذجًا مثاليًا في التزام الحق والصدق والعدل والعمل والتضحية والفداء من أجل خلاص البشرية، بإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان والتوحيد، ومن شرور النفس، الأمارة بالسوء، وعدوان المتكبرين وتسلط الطغاة، ونصرة المظلومين والضعفاء في الكون، وفوق ذلك جسّد النبي محمد (ص) قيم المجتمع الجديد في أبهى صورها، فقد كان مثالًا للإنسان المؤمن المكافح المعتمد على نفسه، حيث كان يقضي حوائجه بنفسه، ويشارك في كل أنشطة الحياة المختلفة، يُصاب في المعارك والحروب ويجوع ويمرض ويمارس ما يمارسه البشر، وبتواضع غير مألوف.
إن العرب والمسلمين وكل أحرار العالم وشعوبه، المتطلّعة للمستقبل مدعوون اليوم لتدبّر سيرته العطرة وتأمّل حدث الميلاد، وتجلياته اللاحقة على الإسلام والمسلمين واستخلاص الدروس والعبر والعظات من أحداثها الملهمة، والتزود من ينابيعها الروحية والإنسانية الثرة، لمواجهة تحديات المستقبل، ومعضلات الحياة المتجددة. في عالم متعدد الأقطاب، يتسيده الإيمان بقيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية التنموية، والحوار الحضاري ونصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام الخصائص الوطنية والقومية للأمم والشعوب، وبمعزل عن الهيمنة والغطرسة الاستعمارية والعدوانية الصهيونية والتوجهات التوسعية العنصرية،
وأن يكون الإنسان القيمة العليا للتقدم، والوسيلة في التغيير وغايته.
“فقد كان محمدًا كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمدًا”
كلمة الهدف
حزب البعث العربي الاشتراكي
30 أغسطس 2025م

Leave a Reply