سيكتب التاريخ أن العرب صمتوا… وغزة ماتت عطشاً

صحيفة الهدف

م منعم مختار

سيكتب التاريخ ــ لا ذاكرتنا المنخورة بالنسيان ــ أن مصر التي يجري فيها نهر النيل، جارت غزة عطشاً، وتركتها تموت بين أنياب العطش والكهرباء المقطوعة.

وسيكتب أن الأردن، جار فلسطين الحزين، كان يشم رائحة الجثث المحترقة، ومع ذلك ظلّ صوته مكتوماً، وكأن غزة ليست على مرمى حجر من حدوده.

وسيكتب التاريخ أن السعودية والإمارات وبقية ممالك الذهب الأسود، غاصوا في بحار النفط والغاز، بينما لم تجد سيارات الإسعاف في غزة قطرة وقود لتتحرك، ولا مستشفى استطاع أن يشعل مولداً كهربائياً لإنقاذ طفل يحتضر.

وسيكتب أن أكثر من خمسين مليون جندي في جيوش العرب والمسلمين ظلوا يحرسون قصور الملوك والرؤساء، ولم يجرؤ واحد على عبور الحدود لنصرة شعب يُباد أمام شاشات التلفاز.

وسيسجل التاريخ أن المليارات أنفقت على حفلات الرقص والمهرجانات والـ«فورمولا وان»، بينما أطفال غزة لم يجدوا كسرة خبز، وأن تركيا التي تغنّت كثيراً باسم الإسلام، لم تقدم إلا الخطب الرنانة والكاميرات.

وسيسجل أن فقهاء ولاية الفقيه في طهران ظلوا يتغنون بشعارات المقاومة، بينما تركوا غزة وحيدة تُباد، فلم تصل صواريخهم ولا جيوشهم ولا أموالهم، غير الشعارات الجوفاء التي يبيعونها في سوق المزايدات.

وسيسجل التاريخ أن المطبعين من العرب ــ من أبوظبي إلى المنامة، ومن الرباط إلى الخرطوم ــ كانوا يوقعون على أوراق العار مع نتنياهو، بينما هو نفسه يوقع على أوامر إبادة الفلسطينيين وتجويعهم وتشريدهم. بل إن الخرطوم، من زمن الترابي والبشير وحتى حميدتي والبرهان، لم تتوقف عن التماهي مع المخابرات الإسرائيلية، وتقديم الولاء السياسي والعسكري لها، باسم شعارات زائفة عن الإسلام والسيادة.

وسيكتب أن غياب القائد الشهيد صدام حسين، وحكومة البعث في العراق، ترك فراغاً مدمراً في ساحة الموقف العربي؛ فالرجل الذي جعل من فلسطين قضية العرب المركزية، ودفع العراق ثمن مواقفه، غاب، فغابت معه إرادة حقيقية للتصدي للعدو الصهيوني. ولو كان حياً، لما تُركت غزة وحيدة تحاصرها أنظمة العار.

وسيكتب التاريخ أن الغرب ــ بلا قرآن ولا كعبة ــ خرج بمئات الآلاف في لندن وباريس ونيويورك يصرخون ضد الإبادة، بينما المسلمون ــ أصحاب القبلة الواحدة ــ جلسوا في بيوتهم يتابعون مباريات كرة القدم، ويشترون «البيبسي» و«الماكدونالد» بدمٍ بارد.

وسيكتب التاريخ أن علماء الغرب صرخوا دفاعاً عن غزة، بينما خطباء المسلمين ما زالوا يروون قصة «المرأة التي حبست قطة»، غير عابئين بآلاف الأطفال المحبوسين في حصار الموت.

وسيكتب التاريخ أن الصحافة العربية كانت تنقل أخبار الراقصات والمطربين، بينما الصحافة الحقيقية كانت تُباد مع أهل غزة.

وسيسجل أيضاً أن شعوباً ورؤساء ومشاهير في العالم رفعوا أصواتهم بجرأة: من نيلسون مانديلا إلى هوغو تشافيز، ومن مظاهرات طلاب الجامعات الأميركية إلى ملايين الشوارع الأوروبية واللاتينية، هؤلاء فضحوا إسرائيل أكثر مما فعلت حكومات العرب مجتمعة.

والله وبالله وتالله، إن التاريخ لن يرحمكم جميعاً: حكاماً ومحكومين.

أما يوم القيامة، فسيكون الحساب أوضح من كل هذا النفاق: يومها فقط سيعرف من فاز ومن خسر.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.