الانتظار المميت

صحيفة الهدف

فيصل شرير
#ملف_الهدف_الثقافي

كان يقف في الحد الفاصل ما بين مزاجه السيئ وتنامي قلقه داخل تجاويف رأسه المتهالكة لحد أنه لم يعد يعرف كيف يقرأ مؤشر ضبط الوقت . ونسى أنه يقف منذ وقت نسى كيف يميزه، إن كان مساء أو حتى شتاء.. كانت الفصول آخر اهتماماته. وتذكر أنها واعدته هنا ولأن مزاجه لم يكن على ما يرام حتى ال هنا هذه لم يعد أكيدًا منها ومع ذلك ظل يقف بلا حراك إلا بحركة قلقة من أصابعه ظل يعبث بها على شعيرات نمت بإهمال على أذنيه وطفق ينتفها دونما ألم ويتصاعد الضجر من رأسه كأنه عمود دخان . ظلت ضحكتها وهي تحتل كل المساحة الكائنة في الفضاء الواسع أمامه، تتحكم في تفاصيل حركة جسده ، ومن بين رهق مشاعره المتضاربة كانت ابتسامتها تتلاشى رويدًا رويدًا حتى ضاعت ولم يعد يرى غير فردة حذاء وحيدة وعطر متشرد يطارد مزاج صائع كان في وضع الاستعداد لأن يرتكب أي فعل لا تُحمد عاقبته، كانت ايماءتها لاتزال الأكثر تأثيرًا في الكون، حتى على قائمة أسعار المنتجات الأكثر استهلاكًا للطاقة وحركة المارة وشارات المرور وزحام الأجساد في أزقة الأسواق الشعبية والحانات، التي تبيع غنج الراقصات وغناء العشاق وسط ترنح السكارى واستعراض ببائعات الهوى لبضائعهن بصورة أوقح صفاقة، حتى أنها أثرت على حيثيات قضية كان ينظر فيها كبير القضاة. لازال يقف ولا يعرف هل مضى وقت حضورها أم أنها لم تضرب له موعدًا من الأساس، أتُرى هل توهم موعدها، أم أنها طارت رفقة العصافير إلى حيث تلتقيه هناك في مدار الجدي ..ولم يعد يملك غير أن يستدعي شرفات المدينة، التي كانت تناظر العالم من بين درفتي يدخل منهما الضجر. أن يحمل كراكيب عشقه ويرتكب فعل الخروج السافر دون نية له بالعودة حتى وإن خرجت نقرات العصافير من مخلاة ذاكرته وأقسمت عليه أن يفعل .
كان لا يزال واقفًا هذا ما وعاه أخيرًا وكثيرًا من اللاشيء واللانتباه وعاصفة من التردد تجتاح مشاعره وربما قلق متنامي هنا وهناك يؤشر لانفصال وشيك للإقليم ،الذي يستحوذ على منتجات خدره اللذيذ، كأنها طعم القبلة الأولى من صبية تبكي أثر شهوتها الحارقة. كأنها الآهة الملتاعة إثر إيلاج أهوج يتحرك عكس الرغبة، يحرض عصب رأسها الشغف. شبق المرة الأولى…لا . كان أكثر جنونًا من كل ذلك أن يتباطىء تدفق التمباك إلى المركز.. طالما أن هذين الوغدين على رأس النظام الجديد، حتمًا سيعيقان عمليات تصدير التمباك.. ولن تبقى في أيدي سلطة النظام في المركز غير خيارين.. اغتيال الوغدين، أو تنظيم ضربات جوية خاطفة لكسر شوكة النظام الجديد المتعنّت من أجل الترتيب للدخول في مفاوضات مباشرة برعاية دول الترويكا والايقاد
.. كأنما أصابه مس استيقظ الخزين مفزوعًا. وتلفت كمن يبحث عمن يؤكد له أن ما سبق وأن عاشه في ساعته الفائتة كان مجرد كابوس. وكل ما فعله أن تناول فاكهة مزاجه الأبدي وراح يكوّر سفة تحت لسانه ثم تفل بقوة على شماله رغم أنه لا يعلم لما عمد إلى ذلك ومع ذلك فعل نكاية في كابوسه والصورة المشّوه، التي باتت على شاشة تلفازه تتحدى مزاجه السيىء.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.