أنشودة “آسيا وأفريقيا”..

صحيفة الهدف

إحسان الله عثمان

#ملف_الهدف_الثقافي

باندونق؛ لم يتبق من حلم الستينيات شيء سوى الأناشيد القديمة.. وعتمة ماحقة يشرب دجاها من ضوء النجيمات البعيدة!!

كتب الشاعر الراحل د. تاج السر الحسن قصيدة “آسيا وأفريقيا” مستلهماً روح مؤتمر باندونق في إندونيسيا أبريل 1955، الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية AAPSO، وتمخضت عنه حركة دول عدم الانحياز، التي تبناها الزعماء الراحلون (جمال عبدالناصر والزعيم اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو والقائد الهندي البانديت نهرو)، التي كانت تمثل آمالًا عريضة لشعوب دول العالم الثالث عندما كانت الحرب الباردة بين القطبين الكبيرين تغطي معظم مفاصل الحياة السياسية العالمية.

تعتبر القصيدة نموذجًا لخطاب الوعي المعرفي والثقافي السوداني في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم قامت على القلق والتأمل الواعد والحالم بغد أجمل للقارتين الآسيوية والأفريقية في لغة شعرية تميزت بالوعي التاريخي لدى شعوب تشابهت همومها وآمالها وتقاربت قضاياها تتنسم عبير التحرر الحضاري.

تجاوزت الأنشودة “آسيا وأفريقيا” حدود الهم المحلي إلى الأفق الإنساني الأرحب حيث تمتزج فيها الروح الثورية مع الغنائية لتؤسس خطابًا شعريًا جامعًا وتوثيقًا لقادة حركات النضال الوطني ومنها تعرفنا على اسم الزعيم الكيني (جومو كينياتا) والأندونيسي (أحمد سوكارنو) والزعيم الهندي التاريخي (المهاتما غاندي) وشاعر الهند (طاغور) ومن الأنشودة تعرفنا على الملاحم العربية وتحرير قناة السويس وكفاح شعب الجزائر والجيوش المغربية..

التناص مع الواقع السياسي والتاريخي آنذاك يمنح الأنشودة طابعًا وثائقيًا مشبعًا بالجماليات الشعرية تنفتح فيه القصيدة على انفعال عاطفي يتماهى مع أهمية الحدث مشحونة بالصور والرموز أيقونات وجدانية بين الشعوب قائمة على المعاناة المشتركة والرغبة في التطور والنماء (مصر، كينيا، الصين، إندونيسيا، الجزائر، دمشق، وهران) نشيدًا كونيًا شاهدًا على مرحلة فاصلة في التاريخ.

عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة

يطل الفجر في قلبي على أجنح غيمة

سأغني

لآخر المقطع للأرض الحميمة…

للظلال الزّرق في غابات كينيا والملايو

للمنارات، التي شيدها أول مايو، لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة

، التي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة

لرفاقي في البلاد الآسيوية

للملايو ولباندونق الفتية

يا صحابي صانعي المجد لشعبي

يا شموعًا ضوؤها الأخضر قلبي

يا صحابي وعلى وهران يمشي أصدقائي

والقنال الحر يجري في دمائي

وأنا في قلب إفريقيا فدائي

وعلى باندونق ستمتد سمائي

يا صحابي يا قلوبًا مفعمات بالصفاء

يا جباها شامخات كالضياء

عند حلفا وعند خط الاستواء

لست أدري يا رفاقي فأنا ما زرت يومًا إندونيسيا

أرض سوكارنو ولا شاهدت روسيا

غير أني والسنا من قلب إفريقيا الجديدة

قد رأيت الناس في قلب الملايو

كالمنارات، التي شيدها أول مايو

مثل ما شاهدت جومو

ولقد شاهدت جومو مثل ما امتد

كضوء الفجر يومًا

أنت يا غابات كينيا يا أزاهر

يا نجومًا سمقت مثل المنائر

يا جزائر

هاهنا يختلط القوس الموشى

هاهنا من كل دار كل ممشى

نتلاقى كالرياح الآسيوية

كأناشيد الجيوش المغربية

مصر يا أخت بلادي

يا شقيقة

يا رياضًا عذبة النبع وريقة

يا حقيقة

مصر يا أم جمال، أم صابر

ملء روحي أنت يا أخت بلادي

سوف نجتث من الوادي الأعادي

فلقد مدّت لنا الأيدي الصديقة

وجه غاندي وصدى الهند العميقة

صوت طاغور المغنّي بجناحين من الشعر

على روضة فن يا دمشق

كلنا في الفجر والآمال شرق

يا رفاقي

وعلى وهران يمشي أصدقائي

والقنال الحر يجري فيه مائي

وأنا في قلب أفريقيا فدائي وعلى باندونج تمتد سمائي

غرسة الزيتون ظلّي وفنائي

يا رفاقي صانعي المجد لشعبي

يا شموعًا ضوؤها الأخضر قلبي

سأغني

آخر المقطع للأرض الحميمة…

لرفاقي في البلاد الآسيوية، للملايو ولباندونق الفتية

الشاعر الراحل تاج السر الحسن من أبرز شعراء الفصحى في السودان ولد عام 1935. التحق بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف وتخرج فيها 1960 ثم سافر إلى موسكو والتحق بمعهد ماكسيم غوركي للآداب 1962، وتخرج فيه 1966 ثم حصل على الدكتوراة 1970.

دواوينه الشعرية: قصائد من السودان 1956، القلب الأخضر 1968، قصيدتان لفلسطين 1991، النخلة تسأل أين الناس 1992، الآتون والنبع 1992

مؤلفاته: بين الأدب والسياسة- قضايا جمالية وإنسانية- الابتداعية في الشعر العربي الحديث بالإضافة إلى العديد من الترجمات من الروسية إلى العربية.

أبوظبي

أغسطس 2025م

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.