ليه حياتنا اخترت غيرها؟

صحيفة الهدف

أمجد أحمد السيد
#ملف_الهدف_الثقافي
من بين الأعمال الغنائية السودانية، التي تركت أثرًا عميقا في وجدان المستمع تبرز أغنية “ليه حياتنا اخترت غيرها” كلمات الشاعر المرهف حسن الزبير وأداء الفنان الطيب مدثر لتشكل واحدة من التجارب الشعرية والموسيقية المليئة بالأسئلة الوجدانية والخيبات العاطفية، التي تُقال بلغة شاعرية عالية وجماليات موسيقية آسرة.

منذ المطلع، يفتح الزبير باب الحيرة الوجودية:
ليه حياتنا اخترت غيرها
فيها أحلامنا وكلامنا فيها حاجتنا الصغيرة

هنا لا يتحدث الشاعر عن قصة حب عابرة بل عن مشروع حياة مشتركة أحلام صغيرة وكبيرة كان يفترض أن تنمو معًا لكن قرار الآخر بالابتعاد جاء صادمًا ومربكًا ليهدم تلك الصورة.

يمضي النص في مواجهة صريحة حيث يضع الشاعر مقارنة بين الماضي المشترك والمستقبل مع الغريب
ايه لقيت فيهو الجديد
ريدتو من حاجات بقولو؟
بهذا السؤال يفضح الشاعر هشاشة الاختيار الجديد ويؤكد أن الحب البديل ليس سوى وهم مبني على كلام عابر بينما الحب الأول كان جذورًا عميقة وتجربة صادقة.

القصيدة أيضًا تلعب على ثنائية الغُرور والانكسار
هل قدر يكسر غرورك
هل هو في الأحلام بزورك؟

هذه التساؤلات لا تحمل فقط غيرة العاشق بل تحمل ثقة المتكلم في صدق تجربته مقابل هشاشة الآخر وفي الوقت ذاته تكشف عن إدراك عميق بأن الحب الحقيقي يُختبر في الليالي القاسي طولها حين لا يبقى سوى الصبر والمودة والصدق.

ذروة النص تأتي في ختام ساخر/مفارق
ألف مبروك يامخير
إنت بتبيع المشاعر
البصر دون البصاير
والأصل ما ببقى صورة

هنا يبلغ الشاعر قمة المفارقة حين يبارك للمحبوب المُخيَّر خياره الخاطئ لكنه في ذات الوقت يُدين هذا الاختيار بمرارة لاذعة فالمشاعر لا تُباع والسطح لا يغني عن الجوهر والأصل لا يُستبدل بصورة مزيفة.

جاء أداء الطيب مدثر محملًا بالعاطفة المرهفة بنبرة تجمع بين الانكسار والاعتداد وكأن صوته يعكس تمامًا صراع النص الداخلي حب صادق من جهة وغصة الخيانة من جهة أخرى وقد أسهم لحن الأغنية في إبراز الانفعال الدرامي حيث تصاعد التوتر مع تصاعد الأسئلة ثم هدأت الجملة الموسيقية في لحظة ألف مبروك كاستسلام مرير.

أغنية ليه حياتنا اخترت غيرها تظل واحدة من علامات الشعر الغنائي السوداني لأنها لم تكتفِ برسم قصة حب بل قدمت خطابًا شعريًا إنسانيًا عن الخسارة الخيانة ومفارقات الحياة نص لا يزال يجد صداه لدى كل من جُرب الخذلان العاطفي وكل من أدرك أن الأصل لا يُستبدل بصورة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.