
د.صلاح هداد
#ملف_الهدف_الثقافي
لِأَنِّي أُحِبُّ غَزَّةَ..
أُقَبِّلُ غُصْنَ زَيْتُونٍ عَلَى كَتِفِ يَتِيمٍ
وَأَحْنُو عَلَى الرُّكَامِ كَمَا تَحْنُو النُّجُومُ عَلَى الغَرِيبِ
أُفَتِّشُ فِي جِرَاحِ الطِّفْلِ عَنْ شَمْسٍ
وَفِي العَتَمَاتِ عَنْ وَجْهٍ يُخَبِّئُ نَفَسًا أَخِيرًا لِلْحَيَاةِ.
لِأَنِّي أُحِبُّ غَزَّةَ
أَسْتَعِيرُ حَنْجَرَةَ الصَّدَى
لِأَصْرُخَ مِنْ خَلْفِ الجُدْرَانِ المُحَاصَرَةِ:
“هُنَا الحَيَاةُ تُقَاوِمُ مَوْتَهَا بِالحُبِّ وَالبَقَاءِ!”
هُنَا.. امْرَأَةٌ تُطَرِّزُ أَثْدَاءَهَا بِدُعَاءِ الأُمَّهَاتِ
هُنَا.. طِفْلَةٌ تُعِيدُ تَرْتِيبَ السَّمَاءِ عَلَى لَوْحِهَا المَدْرَسِيِّ
وَتَكْسِرُ أَقْلَامَ الطُّغَاةِ بِالحِبْرِ المُقَدَّسِ
لِأَنِّي أُحِبُّ غَزَّةَ، أُعِيدُ تَسْمِيَةَ المَطَرِ
كُلَّمَا بَكَى شَهِيدٌ فِي الزُّقَاقِ وَلَمْ يَجِدْ كَفَنًا
سِوَى غَيْمَةٍ عَلَى هَيْئَةِ نَشِيدٍ
أُعَلِّقُ حَنْجَرَتِي عَلَى بَابِ المُخَيَّمِ
وَأَقُولُ لِلرِّيحِ: “امْضِي.. خُذِي مَلامِحِي إِلَى خَيْمَةٍ مَنْسِيَّةٍ
هُنَاكَ امْرَأَةٌ تَنَامُ عَلَى جُرْحِ عَاشِقٍ أُحْرِقَ بِالصَّمْتِ!”
يَا غَزَّةَ العِنَادِ
يَا خَرِيطَةَ الدَّمِ المُضَاءِ فِي ظِلَالِ اللَّيْلِ
كَيْفَ تُرَبِّينَ الفَجْرَ فِي مَهْدٍ مِنَ البَارُودِ؟
كَيْفَ تُنْبِتِينَ الزَّهْرَ فِي فَمِ طِفْلٍ مَاتَ أَلْفَ مَرَّةٍ
ثُمَّ عَادَ يَقُولُ: “أَنَا هُنَا.. أَنَا لَمْ أَمُتْ
لَكِنَّ الرَّصَاصَ غَيَّرَ اسْمِي
وَالقَنَابِلَ أَعَادَتْ وِلادَتِي بِاسْمِكِ؟”
لِأَنِّي أُحِبُّكِ..
أَمْشِي عَلَى وَقْعِ خُطَاكِ كَأَنِّي القَصِيدَةُ
وَكَأَنَّكِ المَعْنَى..
أَمُدُّ يَدِي لِأَرْتُقَ نَزْفَ الذَّاكِرَةِ
وَأُرَمِّمَ ابْتِسَامَةَ مَنْ بَقِيَ فِي العَتْمَةِ
يَرْسُمُ نَجْمَةً عَلَى ظَهْرِ اللَّيْلِ وَيَكْتُبُ: “غَزَّةَ!”
أُحِبُّكِ
حِينَ يَنْهَضُ الحَجَرُ كَالأَنْبِيَاءِ
وَيَصِيرُ الزَّفِيرُ نَارًا
وَالرَّمَادُ دُعَاءً
وَالأَطْفَالُ جَنَازِيرَ النُّورِ فِي فَمِ اللَّيْلِ
أُحِبُّكِ
حِينَ تَكُونِينَ نِدَاءً بِلَا صَوْتٍ
صَلَاةً بِلَا مَأْذَنَةٍ
وَقَصِيدَةً تُكْتَبُ بِالدَّمْعِ فِي هَوَاءِ الرُّعْبِ
لِأَنِّي أُحِبُّ غَزَّةَ
أُغَنِّي لَهَا، حَتَّى لَوْ سُرِقَتْ حَنْجَرَتِي،
أَكْتُبُهَا.. وَلَوْ فِي لُغَةِ الطِّينِ وَمِلْحِ المَاءِ.
أَضَعُهَا عَلَى رَأْسِي وَطَنًا،
وَأَهْتِفُ: “غَزَّةُ، أَنْتِ النَّشِيدُ الَّذِي لَا يَسْقُطُ..
وَلَوْ سَقَطَتِ الجُدْرَانُ.” أُحِبُّكِ لِأَنَّكِ البَقِيَّةَ البَاقِيَةَ مِنْ شِعْرِ الأَرْضِ،
وَالصَّوْتَ الأَوْحَدَ الَّذِي يُعَلِّمُنَا كَيْفَ نَنْهَضُ مِنْ تَحْتِ القَصْفِ،وَنَضْحَكُ.. ثُمَّ نَمْضِي.
Leave a Reply