
محمد شريف
#ملف_الهدف_الثقافي
المدحة الصوفية والمقطوعة الكلاسيكية: رحلتان مختلفتان نحو الروح
تُعدّ المدحة الصوفية والمقطوعة الكلاسيكية نوعين مختلفين من التعبير الموسيقي، حيث تسعى كل منهما إلى غاية مختلفة وتستخدم أدوات خاصة لتحقيقها. أحدهما يخاطب القلب بلهفة، والآخر يخاطب العقل بتناغم.
مقارنة بين: مدحة “صلي يا ربي ثم سلم على من هو للخلق رحمة وشفاء” بصوت أحمد الأمين مثلًا ومقطوعة “Nocturne in E-flat major, Op. 9 No. 2” لفريدريك شوبان
• الإيقاع والزمن
تتميز المدحة الصوفية بإيقاعها الدائري والمتكرر، الذي يشبه دوران الذاكر في الحضرة، وينبض بإيقاع القلب لا العقل. زمنها الموسيقي غير خطّي، فهو يهدف إلى خلق حالة من الذوبان والتكرار الروحي. في المقابل، تتميز المقطوعة الكلاسيكية بإيقاعها الهادئ والمتدرج، الذي يتصاعد ثم يهدأ وكأنه رحلة تأملية. زمنها خطي، إذ يبدأ من نقطة معينة ويصل إلى ذروة قبل أن يختتم بانسجام.
• الوسيط والهدف
تعتمد المدحة الصوفية على الصوت البشري، التي تحمل حرارة العاطفة والنية. هدفها الروحي هو الفناء في المحبة، واستحضار الرحمة، وطلب الشفاء الروحي. لغتها تعبيرية عربية ودعائية ومليئة بالصفات النبوية والنداء الإلهي، مما يثير الانفعالات الداخلية كالشوق والخشوع. أما المقطوعة الكلاسيكية فتعتمد على البيانو المنفرد، الذي يعكس دقة الانفعال الداخلي. هدفها هو اكتشاف الانسجام الداخلي، وتهدئة النفس، واستعادة التوازن. لغتها التعبيرية موسيقية بحتة، لا تحتوي على كلمات، لكن كل نغمة فيها تقول شيئًا، مما يثير مشاعر الحنين والصفاء والتأمل.
• المقارنة الإيقاعية والروحية
في نقطة التقائهما، كلاهما يخلق لحظة انكشاف داخلي:
- المدحة تقول: “ما تبحث عنه هو في قلبك، في محبتك، في صلاتك.”
- وشوبان يقول: “انظر إلى داخلك، ستجد السلام في نغمة هادئة.” كأن المدحة هي نداء من القلب إلى السماء، والمقطوعة الكلاسيكية هي همس من العقل إلى الروح.
• إيقاع القلب والعقل
في المدحة، يتكرر الاسم، “صلي يا ربي ثم سلم على من هو للخلق رحمة وشفاء”، كأن كل تكرار هو خطوة نحو الفناء، نحو الانخطاف في النور، نحو الذات التي لا تُدرك إلا بالحب. وفي نوتة شوبان، يتصاعد اللحن، ثم يهدأ، ثم يعود، كأن العقل يتأمل ذاته في مرآة الزمن، يرتب مشاعره كما يرتب النوتات، يبحث عن الانسجام، لا الذوبان.
لكن في لحظة ما، يلتقي القلب والعقل في نقطة واحدة: حين يكتشف الإنسان أنه ليس آلة تفكر، ولا عاطفة تحب، بل كائنٌ يشتاق، يشتاق إلى من نظّم قوانين الفيزياء، وأودع في الكلى والبنكرياس سر الحياة، وجعل في الحب شفاءً، وفي المعرفة رحمة. إيقاع القلب والعقل ليس تناقضًا، بل رقصةٌ ثنائية، تبدأ من الأرض، وتنتهي في السماء.
Leave a Reply