أحمد محمود أحمد
من أخطر ما نتج عن هذه الحرب الدائرة اليوم في السودان يرتبط بالانتهاكات الشاملة تجاه المدنيين، إذ بالإضافة إلى القتل اليومي والتشريد للمواطنين وتدمير أو احتلال منازلهم، توجد هنالك ظاهرة أفرزتها هذه الحرب يمكن أن نطلق عليها ظاهرة السجون غير المرئية، التي يتم فيها التعذيب وانتهاك جسد المعتقل وكذلك القتل وبشكل ممنهج من قبل الطرفين المتحاربين دون التقيد بالقانون أو بمبادئ حقوق الإنسان، وهو ما نحاول مخاطبته في هذا المقال ضمن رؤية تقف ضد قتل المدنيين دون تقديمهم للمحاكمة القانونية أو اعتقال السياسيين وتعذيبهم فقط لأنهم قد عبروا عن رأيهم مما يشكل ذلك جريمة ضد المواطنين العزل وهذا ما يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان.
ما هي السجون غير المرئية؟
يمكن القول بأن مصطلح “السجون غير المرئية” في سياق الحرب السودانية يشير إلى أماكن احتجاز سرّية أو غير معلنة يتم فيها حبس المدنيين أو العسكريين أو الناشطين خارج إطار القانون، وغالبًا ما تُدار من قبل أطراف النزاع، خاصة في ظل غياب سلطة مركزية فعّالة في السودان بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدع-م السريع.(1). ويمكن تصنيف هذه السجون ضمن الوقائع التالية(2) :
– هي سجون غير رسمية أو غير معروفة للجمهور.
– لا تخضع لإشراف قضائي أو قانوني.
– يُحتجز فيها الأفراد بدون محاكمة، وغالبًا دون توجيه تهم واضحة.
– قد تكون عبارة عن منازل خاصة، مقرات مهجورة، قواعد عسكرية أو مواقع ميدانية متحركة. وغالبًا تدار هذه السجون من قبل أفراد من الدع-م السريع في مناطق سيطرة هذه القوات أو من الجيش السوداني ومن معه من كتائب سواء كانت الإسلامية أو بعض الحركات والمتمثلة في حركات دارفور وتبعًا للمواقع، التي تحت سيطرتهم، وعادة يتركز دور هذه السجون في
انتزاع اعترافات أو معلومات عن الطرف الآخر، وتستخدم في بث الرعب في المجتمعات المعارضة، وأحيانًا تستخدم كوسيلة للابتزاز أو الفدية. ويمكن حصر آثارها في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل التعذيب، والاغتصاب، والاختفاء القسري ونشر الخوف والريبة بين المكونات المحلية. وهذه السجون وبحكم طبيعتها قد تشكل عائقًا أمام العدالة الانتقالية في المستقبل، بسبب صعوبة التوثيق والمساءلة.
تقارير عن السجون غير المرئية
بالرغم من التكتم والإنكار لوجود هذه السجون ومن قبل الأطراف المتقاتلة، إلا أن بعض الناجين من هذه السجون قد كشف ما يحدث من انتهاك جسيم للمعتقلين داخل هذه السجون واستخدام كل وسائل التعذيب ضدهم؛ حيث يصل الأمر إلى الق-تل وب-دم بارد دون أية محاكمات. وسوف نتناول هنا واقع هذه السجون تحت إشراف الجيش والدع-م السريع لنتبين واستنادًا للتقارير ماذا يحدث فيها.
سجون الجيش وداعميه
السجون، التي يُشرف عليها الجيش السوداني خلال الحرب الحالية (منذ اندلاع الصراع مع قوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023) تتميز بعدة سمات، وتعكس مزيجًا من الاعتبارات الأمنية والعسكرية والسياسية. وكما تفيد بعض التقارير الحقوقية وشهادات الناجين والمراقبين: فهي ليست دائمًا سجونًا نظامية حيث يُحتجز كثير من المعتقلين في مواقع عسكرية، مثل معسكرات الجيش، أو مواقع أمنية مؤقتة، أو أقبية تحت سيطرة الاستخبارات العسكرية. علاوة على ذلك فإن هذه السجون غير معلومة وليس لديها توزيع جغرافي ولا توجد خريطة جغرافية لها، وهذا ما يصعّب على المحامين والمنظمات الحقوقية من تتبع أماكن الاحتجاز هذه. والأخطر في الموضوع فإن ظروف الاحتجاز تعتبر سيئة للغاية حيث أن الزنازين ضيقة، سيئة التهوية، وتعاني من نقص الخدمات الأساسية، ويُمنع المعتقلون غالبًا من التواصل مع أسرهم أو محاميهم. هذا مع سوء المعاملة، والتعذيب الجسدي والنفسي، والحرمان من العلاج.
وتظهر بعض الشهادات عن الضرب، الصعق بالكهرباء، الشتم العن-صري، والإكراه على الاعترافات. هذا بالإضافة إلى أن الاحتجاز يُستخدم أحيانًا كأداة لترهيب الناشطين السياسيين والثوار، خصوصًا من مناطق الهامش أو من شاركوا في الحراك ضد الانقلاب. والخطير في الأمر أن الاحتجاز يتم أحيانا على أساس عن-صري يستهدف فئات محددة وبالذات من غرب السودان، وقد ظهرت مفردة الوجوه الغريبة كانعكاس سيء في معاملة المواطنين واحتجازهم على أساس الأقاليم، التي ينتمون إليها دون وجود جريمة أو شبهة. ولهذا تشير شهادات متعددة إلى أن المعتقلين من دارفور أو جبال النوبة أو النيل الأزرق، أو ممن يُنظر إليهم بكونهم من تلك المناطق يُعاملون بوحشية مضاعفة. وهناك استخدام لمصطلحات عن-صرية ولغة مهينة تعكس نزعة إقصائية متجذرة.
نموذج لهذه السجون
لقد كشفت صحيفة الراكوبة عن الأوضاع الكارثية، التي يعيشها أكثر من 1796 معتقلًا في سجن ود مدني والخاضع لسيطرة الخلية الأمنية المشتركة والتابعة للجيش السوداني، وأوضحت الراكوبة أن هنالك نمطًا ممنهجًا من الاعتقالات العشوائية وسوء المعاملة وتوجد سجون أو معتقلات مشابهة في الحصاحيصا والمناقل وحتى في مستشفى علوب للأمراض النفسية.
سجون قوات الدع-م السريع
قوات الدع-م السريع بدورها تقوم باعتقال كل من تشتبه فيه بكونه لديه علاقة بالجيش، ولهذا تقول “سودان تريبون” أن قوات الدع-م السريع قد استخدمت سجن سوبا ومنذ بداية الحرب لاعتقال مجموعات من المدنيين والعسكريين والأطفال والنساء، تقدر أعدادهم بألف معتقل وتؤكد “سودان تريبون”، واستنادًا لقول شاهد على هذه السجون، أن المعتقلين قد تعرضوا لظروف قاسية وتمثلت في الانتهاكات والق-تل والتعذيب والحرمان من الطعام والماء وإطلاق النار فوق الرؤوس، ولقد أكد هذا الواقع تقرير نشرته “الغارديان” وفقًا لموقع الجزيرة نت عن أدلة على تعرض 500 شخص للتعذيب أو الجوع حتى الموت، ثم دفنوا في مقبرة جماعية بالقرب من قاعدة قري العسكرية شمالي الخرطوم، التي كانت تسيطر عليها هذه القوات، ويذكر شخص فضل حجب اسمه للجزيرة نت، أنهم قد تم احتحازهم في سجن في الرياض يعرف بالعمارة الهيكلية، مؤكدًا أنهم قد حشروا في غرفة صغيرة تحوي 25 شخصًا حيث وضع في ركن الغرفة ( جردل) لقضاء الحاجة مع انعدام الظروف الصحية، وقد أكد أحد المصريين، الذين اعتقلهم الدع-م السريع، الذين خرجوا بعد دخول الجيش للخرطوم، يحكي هذا المصري لوكالة “فرانس برس” أنه اعتقل ومعه 8 مصرين آخرين في الرياض في غرفة مساحتها 3 أمتار في 3 أمتار دون أي نوافذ، موضحًا أن الزنازين الأخرى كانت تضم بين 20 إلى 50 معتقلًا، ووفقًا لشهادة هذا المصري فقد بدأت أجسام المساجين تفقد مناعتها وأصبحوا مجرد هياكل، مشيرًا إلى الذين يموتون ولا يتم دفنهم ويتركون حول الأحياء.
نموذج لسجون الدع-م السريع
سجن سوبا يعتبر كنموذج سيئ قد استخدمته هذه القوات لملاحقة المختلفين معها حيث وثقت “سودان تريبون” وفاة أكثر من 133 معتقلًا في هذا السجن، وقد مثل هذا السجن مكان احتجاز منذ أن بدأت الحرب، وتعرض فيه المعتقلون إلى أبشع الانتهاكات كما تؤكد ذلك “سودان تريبون”.
خاتمة إن السجون غير المرئية هي نتاج لهذه الحرب الدموية، التي خربت حياة السودانيين، وإذا كانت الحرب هي خارج كل القوانين؛ فإن هذه السجون تنتهك جميع حقوق الإنسان وحقه في الحياة، فهي سجون غير مرئية لأنه لا يمكن الوصول إليها من قبل المحامين والمنظمات العاملة في حقوق الإنسان وهذا ما تؤكده رحاب مبارك عضو مجموعة محامو الطوارئ حيث تؤكد ل”سودان تريبون” أنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن هذه الاعتقالات ولكن حسب رحاب أن عدد النشطاء داخل هذه السجون، بما فيهم مهنيون وعمال طوارئ، يعدون بالمئات وبالذات السجون، التي هي تحت رقابة الجيش.
المصادر:
2،1- بحث ذكاء اصطناعي
صحيفة الراكوبة
الجزيرة نت

Leave a Reply