جاد الزمان عطر (ليلتنا) بالأفراح هب النسيم أسكر أرواحنا من غير راح

صحيفة الهدف

شاهدت أمس فيديو لنيران حريق مصدرها مكان ما داخل مدينة الفاشر، وهناك جندي من قوات الدعم السريع يتوعد بالاستمرار في القصف، كان سعيدًا بهذا الحريق الليلي.
قلت في نفسي أهذا هو الليل، الذي كنا نحنُّ إليه ويغني له المغنيين ويهيم فيه العشاق؟
أصبح ليل الدانات والمسيرات والقصف المتبادل.
ليل يصرخ فيه الأطفال وتهيم فيه النساء على وجوههن؟
أهذا هو الليل، الذي تغني له الفنان شرحبيل أحمد :
(الليل الهادي.. يذكرني.. حبيبي الغايب من بدري..
خلاني وحيد.. نصيبي نحيب، سهدي وبعدك جنني”.
لقد تحول ليل الأحبة لليل الكراهية والموت، حتى أصبح مثل ليل امرؤ القيس الكندي
(ليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي)
ليل يتمنى الأطفال فيه أن يسمعوا صوت الأذان في إشراقة جديدة ليروا وجوه أمهاتهم المعفرة بالتراب (ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما إلاصباح منك بأمثل)
قديمًا كان سهر العشاق في الليل، الذي يحفظ ما تجيش به خلجاتهم، فكم من قصيدة كتبت بليل وكم من وسادة بللها دمع الشوق عندما يصدح الكاشف
(الليل الليل مابنومو كاني أنا حارس نجومو)
الآن يحرسون تخوم الأحياء لحمايتها من 9 طويلة ومن عصابات النقرز.

بسم الله الرحمن الرحيم:
{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40)

هي ظلمات الحرب والتدوين العشوائي والصرخات المكلومة وتناثر الأشلاء، ظلمات فوقها ظلام دامس، وظلم، وظلام في القلب.
أين نحن من جمال الليل، الذي كان.
(طول ياليل وهود عاجبني طول الليل
الليل نسيمو عليل
الليل سكونو جميل
الليل به النساك تتأمل الأفلاك ياليل
الليل به العشاق تتذوق الأخلاق
تتناجى بالأرواح
ولشدة ماترتاح مادايرة تاني صباح)
ماذا لو أن خالد أبو الروس عليه الرحمة عاش ليرى ليل الحرب، هل كان يكتب هذه القصيدة؟
تعجبني جدًا كلمات ولحن أغنية الفنان الخليجي عبد الرب إدريس (ليلة تاني ليلة)
لما فيها من تداعي لطيف وليتنا ظللنا نكتب لليل، الذي سرقته عصابات الحرب لننتصر بالحب للمحبة.
(ليلة لو باقي ليلة بعمري أبيه الليلة
واسهر في ليل عيونك وهي ليلة عمر
يا الله يا الله وش كثر انت جميلة
يا الله يا الله وش كثر انا احب، انا أحب )
هكذا ارتبط الليل بالمحبين والعشاف لكن سراق السعادة، أصحاب القلوب المشحونة كراهية، أهدونا في كل ليلة قصف الهاون وصوت المسيرات والبراميل المتفجرة حتى أصبح الليل عندنا مبعث خوف وانتظار موت. وكأني مرة أخرى أعوذ لأبو الروس في حالة وداع الأحبة
(قت ليه الوداع
يا حبيبي الوداع
الليل مابنومو كأني
أنا حارس نجومو)
تعب العاشق الولهان من عد النجوم فما بالك بمن يسهر ليعد الدانات وأصوات الانفجارات؟
عندما نتحدث عن الليل لا أحد يستطيع تجاوز التجاني حاج موسى (في عز الليل)
(في عز الليل
ساعة النسمة ترتاح على هدب الدغش وتنوم
أنا مساهر
هد الحيل غرامك واضطرار الذكرى
وطيفك في خيالي يحوم
يا آثر)
فهل الحال ياهو نفس الحال؟
لا ورب الكعبة، لقد تبدل حال الليل مابين طاوي على جوع، أو خائف من لصوص، او منتظر لمجهول أو متحفز لقتال، لقد هد الحيل قصف المدافع واشتعال النيران.
(ولو حاولت تتذكر
تعيد الماضي من أول
تلقى الزمن غير ملامحنا
ونحنا بقينا مانحنا
وأنا الصابر على المحنة)
نعم تغيرت ملامحنا ونحلت أجسادنا وترملت نساءنا وتكومت القبور حول منازلنا وداخلها، حتى فقدنا شغف انتظار الليل الهادي وطيف الحبيب ورسائله، التي يحملها النسيم.
(لو كان الزمن نساك أنا مانسيت
أو في يوم الزمن قساك أنا ماقسيت
في عز الليل
ياهاجر أنا مساهر)
الليل والنيل والنسيم.. ليل المدن والكهارب، والقرى والفرقان والقمر والنجوم، هناك حيث السيرة بالدلوكة، رقصة المردوم والكمبلة، الصقرية و”زمبارة” الراعي ترخي لها الأنعام أذانها لتنام مطمئنة، ذلك الليل، الذي ارتبط عند شعبنا بالأفراح والليالي الملاح، الآن هجروه المحبين الحنان بعد أن استوطن فيه المتسللون عشاق الدم.
استبدل عشاق الورود بالرصاص ورسائل الحب تحملها رصاصة قناصة بدلًا عن النسيم(يانسيم روح ليه بأشواقي صرح ليه).

(الليلة بالليل
نمشي شارع النيل)
يا حليل النيل وشارع النيل، الفاشر والأبيض .. حليل أغنية (الليل الهادي.. يذكرني حبيبي الغالي) التي استبدلناها ب (تاح تاح تاح تحسم بالسلاح)..
وفي الختام ياليل أبقالي شاهد على نار شوقي وجنوني.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.