
حنظلة السعيد
#ملف_المرأة_والمجتمع
في الآونة الأخيرة، تصاعدت موجة مروّعة من جرائم قتل الزوجات والمطلقات في المجتمع السوداني، ما أثار حالة من الذعر والقلق العميق بين المواطنين. هذه الجرائم لا يمكن اختزالها في خلافات زوجية عابرة، بل هي انعكاس لتشابك معقد بين عوامل سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، تستدعي وقفة جادة وتحليلاً معمقاً من قبل خبراء النفس والاجتماع والقانون.
أسباب الظاهرة: تحليل متعدد الأبعاد
يلاحظ كل مهتم ومتابع تنوع الأسباب التي دفعت بعض الأزواج إلى ارتكاب هذه الجرائم، فمنهم من لم يتحمل فكرة الطلاق، ومنهم من رفض زواج طليقته من جديد. وتتراوح الدوافع بين الغيرة والانتقام والاضطرابات النفسية. وقد أشار أطباء النفس إلى أن الضغوط النفسية المتراكمة، إلى جانب تأثير الدراما العنيفة والأفلام، تلعب دوراً في تشكيل سلوك عدواني لدى بعض الأفراد. أما علماء الاجتماع، فقد حذروا من أن انتهاك الخصوصية بين الأزواج قد يؤدي إلى تصعيد الخلافات وانفجارها في شكل عنف دموي.
بينما يرى عدد كبير من المختصين أن التربية القائمة على ترسيخ فكرة سيطرة الرجل على المرأة، واعتبارها تابعاً له، تُعد من أبرز الأسباب التي تؤجّج العنف الأسري. كما أن غياب الوعي بحقوق المرأة، وعدم ترسيخ قيم الاحترام والمساواة داخل الأسرة، يساهم في تفاقم الأزمات الزوجية وتحويلها إلى كوارث إنسانية.
أما على المستوى السياسي والقانوني، فيُعد غياب القوانين الرادعة والرقابة الفعالة بيئة خصبة لارتكاب الجرائم دون خوف من العقاب. والسياسات الحالية، التي لا توفر الحماية الكافية للمرأة، تُسهم في استمرار هذه الظاهرة وتفاقمها.
بالإضافة إلى ذلك، من الناحية الاقتصادية، يلعب الفقر والبطالة دوراً محورياً في زيادة التوتر داخل الأسر، مما يرفع من احتمالية حدوث العنف. كما أن عدم المساواة الاقتصادية بين الرجل والمرأة يجعل الأخيرة عرضة للاستغلال والانتهاك.
الحلول المقترحة: رؤية متكاملة
أكدت التجربة واهتمام المعنيين بدراسة هذه الظاهرة، ومن خلال تنظيم عدد من الندوات وإجراء عدد مقدر من البحوث والدراسات، أن الحل الجذري للتقليل من هذه الظاهرة المريعة ومحاصرتها لا يتم إلا من خلال الآتي:
قانونياً:
- تحديث القوانين التي تحمي المرأة وتضمن لها الأمان.
- تطبيق صارم للقوانين وعدم التهاون مع الجناة.
اقتصادياً:
- دعم المرأة لتحقيق استقلالها المادي والاجتماعي.
- توفير فرص عمل حقيقية تُمكّنها من المشاركة الفاعلة في المجتمع.
اجتماعياً:
- نشر الوعي بحقوق المرأة وأهمية احترامها.
- تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر لبناء علاقات صحية ومستقرة.
سياسياً:
- صياغة سياسات فعالة لحماية المرأة من العنف.
- تعزيز التعاون الدولي لتبادل الخبرات في مكافحة العنف الأسري.
خاتمة
أعود للتأكيد على بديهية أن الزوجة ليست هدفاً ولا خصماً يجب القضاء عليه، بل هي شريكة حياة تستحق الاحترام والحماية. إن بناء مجتمع يقدّر الحياة يبدأ من احترام المرأة، وتوفير بيئة آمنة لها، وتغيير الثقافة التي تبرّر العنف وتغذّيه. فلنكن صوتاً للعدالة، لا صدىً للدماء.
Leave a Reply