سنن الكون: سينتهي الاستعمار (الكيان الصهيوني)

صحيفة الهدف

د.محمد المقاطع

كاتب كويتي

تاريخياً وواقعياً، لم يتمكن أي استعمار من البقاء في الدولة المستعمَرة إلى الأبد، رغم الاحتلال العسكري الكامل لها، ورغم ضخامة جيش المستعمِر وقوته، فقد فشل من قبل الفرنسيين في مصر، وفشل من قبل الإنكليز في مصر أيضاً، وفشل من الفرنسيين في الجزائر، وفشل من الإنكليز والأوروبيين في جنوب إفريقيا، وفشل من الأميركان في فيتنام وأفغانستان. تلك سُنن ربانية وحقائق كونية ووقائع تاريخية، وسيزول الاستعمار الصهيوني لفلسطين، رغم إقامته لكيان دولة محتلة، ورغم مكونات شعبها من عصابات صهيونية، وتحوّل الشعب برمّته إلى جيشٍ في احتلاله لفلسطين، لكنه لن يفلت من الحقائق الربانية والسنن الكونية. نعم، قد يبدو ذلك مستحيلا بمقاييس الواقع الحالي ومقاييسنا كبشر، فقد تزايدت قوة الكيان الصهيوني وتسليحه، حيث يمتلك قنابل ذريّة ومن ورائه أميركا مباشرة، ومعظم الدول الأوروبية.

نعم، الفلسطينيون دُمّرت مدينتهم غزة، وتعرّضوا لمجازر وإبادة غير مسبوقة، وحوصروا وجُوّعوا وقُطعت عنهم سبل الحياة، وغزة في محنة مشابهة لما حدث في نكبة 48 وربما أكثر، والدور المرسوم قادم للضفة، والفلسطينيون مفككون والعرب مفككون خائفون منهزمون نفسياً، ويبررون الاستسلام أو الانكفاء أو التحالف، أو ربما التآمر. ولكن، غزة – رغم كل ذلك صامدة – فقد قدمت ما يزيد على مئتي ألف شهيد وجريح، ونَفَس المقاومة لا يزال مكيناً فيهم وبفصائل متعددة، وقدمت نموذجاً للمقاومة والتمسك بالأرض نال إعجاب العالم وتقديره. وكل التقديرات تؤكد صعوبة هزيمتها وإنهائها عسكرياً أو تهجيراً، ومآلات ذلك الفشل. وعلى الرغم من مناظر ذلك الركام الذي تحوّلت له غزة ومشاهد الإبادة والمجازر اليومية فيها، وصور وآلام المجاعة الشرسة اليومية التي تحصد النفوس وتنشر الأمراض وتبعث على اليأس، تجد رصيداً متزايداً يومياً من الدعم الشعبي العالمي، وتحوّلا جذرياً برفض روايات الكيان المحتل، والقبول الواسع لمصداقية الرواية الفلسطينية ومقاومتها، بل وبدايات انقلاب من دول العالم لتلتحق بشعوبها نحو شجب الكيان ووصفه بالاحتلال، ومحاصرة رواياته ورفضها وفضحها، ومقاطعة بضائعه وشركاته ومسؤوليه، وبداية غير مسبوقة بعقوبات منفردة من بعض الدول، وخصوصاً الأوروبية، وبدأت تتبلور حالة للعقوبات الجماعية، ولا نعلم أيها ستسبق أوروبا أم أميركا اللاتينية أم إفريقيا.

يعيش العالم حالة من الوعي غير المسبوق الذي صارت معه روايات الكيان ممجوجة لديه، ووجوده صار مرفوضاً، وكل أعماله بفلسطين وغزة خصوصاً أصبحت مدانة ومرفوضة ومُلاحقة على المستويات كافة. وحتى قوة الكيان الصهيوني وتأثيره ولوبيّاته في أميركا، مثل “إيباك”، ودعمه فيها تراجع وتقهقر، وستتمخض عن نتائج لم تخطر على بالنا، فضلا عن انهيار مقولة الجيش الذي لا يُقهر، وما لحقه من فشل في المواجهات العسكرية، لتهتز صورته من خلال انتقامه بقتل المدنيين وتجويعهم وتدمير مظاهر حياتهم، ومحاولة تهجيرهم، والتي فشلت فشلاً ذريعاً أمام صمود أهل غزة، وهو ما ستتحقق معه سنن الحياة، وهو أن الاستعمار الصهيوني لفلسطين لن يستمر، ومصيره الزوال في حين ليس ببعيد.

فكُرَة الثلج المناوئة لهذا الكيان تتزايد يوماً تلو الآخر، وستأتي على بنيانه في لحظة لم يحن بعدُ أوانها. نقول ذلك يقيناً بوعد الله سبحانه، ووفقاً لمجريات الوقائع وحقائق التاريخ.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.