الصداقة.. الطريق إلى القلب

صحيفة الهدف

عصام حسن إبراهيم

#ملف_الهدف_الثقافي

الصداقة ليست كلمة تقال ولا ابتسامة عابرة، بل هي رحلة روح تبحث عن مرآتها، ووجدان يفتش عن صداه في قلب آخر. هي عهد لا يُكتب بالحبر، بل يُنقش في الصدور ويثبت أمام امتحانات الزمن. وقد قيل: “الصديق هو ذلك الشخص الذي يعرف عنك كل شيء، ومع ذلك يحبك”.

غير أن العثور على الصديق الحق ليس بالأمر اليسير. ففي زمن كثرت فيه الوجوه وقلّت النفوس الصافية، صارت الصداقة الحقيقية كبحث عن لؤلؤة في محيط مضطرب. بعض العلاقات تذبل سريعًا، وبعضها ينهار عند أول هزة، وأخرى تنكشف أقنعتها بالخيانة.

وسائل التواصل جعلت اللقاء أسهل لكنها عمّقت البُعد. يمكنك أن تجمع مئات الأسماء في قائمتك، لكن من يبقى معك حين يسقط الليل؟ فالصداقة ليست نقرة على زر، بل حرارة لقاء وصدق موقف وعمق عشرة. الصديق الحق شجرة تُسقى بالوفاء وتنمو مع الأيام. هو من يقبلك في ضعفك قبل قوتك، ومن ينصحك بحب لا بتعالي، ويقاسمك صمتك كما يقاسمك الكلام. معه تشعر أنك تحمل وطنًا صغيرًا في غربة الأيام.

والطريق لاختيار الصديق يبدأ من الداخل؛ أن تعرف نفسك وما تبحث عنه. فالصديق مرآة تكشف حقيقتك، لا ظلّ يكرر صورتك. وجوده يمنحك طمأنينة، وكأنك عدت إلى بيتك بعد غياب طويل.

إن العثور على صديق صادق نعمة نادرة، تستحق أن تُصان كما يُصان الكنز الثمين. فالصداقات الحقيقية قليلة، لكنها حين تأتي تضيء العمر كله. وكما قال جبران خليل جبران: “الصداقة كلمة صغيرة، لكن معناها عظيم”.

ولعل أجمل ما في الصداقة أنها تمنحنا عمرًا مضاعفًا، إذ يعيش كل منا بأعين الآخر وذاكرته. نرى في صديقنا انعكاس طفولتنا، وامتداد أحلامنا، وشهادة صامتة على مرور الأيام. وحين يشتد بنا التعب، يكفينا أن نسمع صوته أو نلمح حضوره، لنعرف أن في هذا العالم زاوية دافئة لا تطفئها رياح الغياب. فالصداقة في جوهرها ليست مجرد رفقة، بل هي حياة تُزهر في حضور الآخر، وذاكرة تزداد جمالا كلما شاركناها مع من نحب. إنها المعنى العميق الذي يجعل قلوبنا أقل وحشة، ودروبنا أكثر إشراقًا.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.