أسماء مالك: 1700 مكتبة تضيء دروب أطفال السودان

صحيفة الهدف

مجدي علي

#ملف_ الهدف_ الثقافي

في بلد تنهشه الحروب، برزت مبادرة وطنية رائدة، قادتها سودانية أصيلة اسمها أسماء مالك، ونخبة من أبناء وبنات السودان في الداخل والخارج، تحمل عنوان (مشروع مكتبات الأطفال في السودان)، لتصبح واحدة من أكثر المبادرات تأثيراً في تشكيل وعي الأجيال القادمة، عبر بوابة المعرفة والكتاب. لتسجل أسماء مالك “مشروع مكتبات الأطفال” في سجل الإنجازات بعنوان حركة شعبية ثقافية تتحدى الخراب، وتزرع المعرفة في القلوب الغضة.

“الهدف” تحدثت إلى رائدة المبادرة أسماء مالك مسيك، في هذا التقرير..

البداية: من كرتونة في بورتسودان

تقول أسماء: “كانت الفكرة ببساطة محاولة لرد الجميل للوطن.. بحثت عن مشروع إنساني يمكن أن يزرع أثراً طويل المدى، فاخترت المكتبة، لأنها تبني الإنسان منذ الطفولة”. في العام 2014، خصصت مبلغًا شخصيًا لشراء مكتبة مدرسية للمدرسة التي درست بها في بورتسودان، مدرسة الثورة الابتدائية المزدوجة، وخلال عملية الشراء في الخرطوم، لاحظت أن أسعار كتب الأطفال كانت مناسبة، مما سمح لها بشراء خمسة كراتين من الكتب المتنوعة، في كل كرتونة 300 كتاب، وزّعتها على خمس مدارس في مناطق مختلفة من السودان. ومن هنا، ولدت الفكرة الكبرى: لماذا لا نعمم التجربة لتصل إلى كل أطفال السودان؟..

من فكرة فردية إلى مشروع قومي

استثمرت أسماء صفحتها في “فيسبوك” لإطلاق نداءات لأبناء وبنات السودان في الداخل والخارج، وانطلقت الاستجابة. تشكّلت مجموعات عمل على “واتساب”، ثم تتابعت حملات الدعم الشعبي، وتوسع المشروع تدريجيًا، إلى أن دشّن 1400 مكتبة أطفال في مختلف ولايات ومدن وقرى السودان، واليوم وصل الرقم إلى 1700 مكتبة.

مشروع أهل السودان لأطفال السودان

يعتمد المشروع كليًا على الدعم الشعبي من السودانيين فقط، دون أي تمويل حكومي أو خارجي. يتكفّل المتبرع بتكلفة المكتبة، وإذا لم يحدد الموقع، يقوم فريق المشروع بتوزيع المكتبات شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا ووسطًا، وفق الحاجة الجغرافية والثقافية.

المشروع يعمل بتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وتقتصر مساهمة الوزارة على الإشراف والمتابعة، لضمان استمرار المكتبات وحمايتها من الإهمال، إضافةً إلى مراقبة أثر القراءة على الأطفال. لكل مكتبة مشرف محلي، ويتواصل الفريق كاملا عبر مجموعات إلكترونية. وقد تم تسجيل المبادرة رسميًا تحت مظلة منظمة “مكتبات الأطفال”.

نحو محتوى سوداني يعكس البيئة

إدراكًا لأهمية توطين المحتوى، قررت إدارة المشروع طباعة كتب سودانية بمضامين أخلاقية وسلوكية تعكس واقع الطفل السوداني. وتم طباعة 11 كتابًا بعناوين مثل “أخلاقي وسلوكي في المدرسة”، “أخلاقي وسلوكي في الطريق”، “أخلاقي وسلوكي في الأماكن العامة”، “أسرتنا منتجة”، “الوردة الحمراء”، “نونة تزور الفم”.. وغيرها. تم طباعة ألف نسخة من كل عنوان، لكن للأسف، ضاعت جميعها بسبب الحريق الذي أصاب المركز والمخازن جراء الحرب. تكلفة الطباعة وصلت إلى أكثر من 11 ألف دولار. لكن فريق المشروع لم يستسلم، بل قام بتحويل هذه الكتب إلى كتب إلكترونية (PDF) وكتب ناطقة وفيديوهات متاحة للجميع، لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال.

حضور في المجتمع وشراكات محلية

شارك (مشروع مكتبات الأطفال) في فعاليات عديدة، منها تخريج 100 متدرب ومتدربة في دورات برعاية مؤسسة حجار الخيرية، ضمن برنامج لمنظمة “منتجون” لدعم الأسر المنتجة. وقد شهد الفعالية عدد من المسؤولين وممثلي مؤسسات تنموية واجتماعية.

النداء مستمر.. من أجل طفل يقرأ ووطن يبني

ختامًا، تؤكد أسماء الملك أن المشروع يطمح إلى تأسيس ثقافة قرائية متجذرة في وجدان الأطفال السودانيين، عبر كتاب يناسب بيئتهم، ويعزز القيم الوطنية والإنسانية، ويعيد للمكتبة المدرسية دورها التنويري. “نحن نعمل من أجل السودان، بأبناء السودان، لأطفال السودان”.. هذا هو الشعار الذي ترفعه مبادرة مكتبات الأطفال، والتي تدعو الجميع، أفرادًا ومؤسسات، للمساهمة في رفد المكتبات بإنتاج سوداني معرفي وثقافي يليق بالأجيال القادمة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.