
أمجد السيد
#ملف_الهدف_الثقافي
في ذاكرة الغناء السوداني تقف بعض النصوص شاهدة على عبقرية الكلمة وخلود اللحن وصدق الإحساس ومن بين هذه الروائع تظل أغنية يا زمن وقّف شوية للشاعر إبراهيم الرشيد أحمد، لحن عبد اللطيف خضر وغناء الذرّي إبراهيم عوض واحدة من أعظم العلامات التي جمعت بين الشعر والموسيقى لتصنع أيقونة وجدانية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
ما يميز هذه الأغنية ليس فقط قصتها النابعة من تجربة حب عميقة وطاهرة بل جمالياتها الشعرية، التي جعلت من الزمن بطلا أساسيا لا مجرد خلفية للأحداث فالزمن هنا ليس ساعاتٍ ودقائق بل كائن فاعل يسرق اللحظات ويعاند العشاق ويصبح التوسل إليه محاولة لانتزاع الحياة من قبضته.
يازمن وقف شوية
واهدي لي لحظات هنية
وبعدها شيل باقي عمري
وشيل شبابي شيل عينيّا
بهذه الأبيات يتجاوز الشاعر المعنى المألوف للزمن ليصوغه في صورة شديدة الإنسانية إذ يتحول الزمن إلى مخاطَب حيّ يمكن أن يتعاطف أو يقسو يمكن أن يمنح أو يمنع وهنا يكمن سر الخلود الشعر، الذي يخلق من المفاهيم المجردة روحاً نابضة.
القصيدة محملة بتوازن بديع بين الشكوى والرجاء بين انكسار العاشق وقوة إصراره على الظفر بلحظة حب عابرةوفي أبيات أخرى يقول
يازمن ماتبقى قاسي
نحن حققنا المحال
نحن هدمنا وبنينا ونسجنا في الخيال
إنها ثنائية الإنسان في مواجهة الزمن الهدم والبناء الفقد والوصال وكلها تُحاكى في لغة شفافة لا تتكلف صورا مغلقة بل تنساب كحديث وجداني مباشر يفتح القلب على القلب.
أما جمال اللحن وأداء إبراهيم عوض فقد أضافا للأغنية بعدا آخر فاللحن جاء متماهيا مع النص يترك للكلمة أن تتوهج بينما صوت الذرّي انسكب كجدول رقراق يحمل الشجن ويطلق الآهات ليضاعف من تأثير النص حتى صار جزءا من الذاكرة الجمعية.
هذه الأغنية ليست مجرد قصة حب شخصية بل تجربة إنسانية تعكس توق الإنسان الدائم لإيقاف عقارب الساعة لالتقاط لحظة صفاء وسط الركام لحظة حب وسط قسوة العالم ولعل ذلك ما جعلها خالدة قادرة على أن تمس القلوب جيلًا بعد جيل وأن تجد في صوت نانسي عجاج تجديدا للروح نفسها بروح معاصرة.
يا زمن وقّف شوية ليست مجرد أغنية بل نص فلسفي عاطفي عميق يضع الزمن في قفص الاتهام ويطالب بالعدالة للعشاق وهي في جوهرها مرآة لرحلة الإنسان كله مع العمر كيف نتمنى أن نبطئ الخطى أن نمد اللحظة أن نعيش بكامل القلب ولو لدقيقة واحدة.
فيا زمن أرحم حبايب لسه في عمر الزهور.
Leave a Reply