
زكريا نمر
كاتب من جنوب السودان.. .
#ملف_الهدف_الثقافي
” هناك مثقف من نوع خاص، لا تلتقطه بسهولة في بداية الأمر، لأنه يشبه الماء يأخذ شكل الوعاء، الذي يوضع فيه، ويغير قناعاته وفق حرارة الجو السياسي أو الاجتماعي المحيط به. هو ذلك، الذي يتوسع في كل اتجاه إذا شم رائحة منصب أو فرصة، ثم ينكمش حتى يكاد يختفي إذا ظهر موقف مبدئي يحتاج شجاعة أو تضحية.
المثقف المطاط لا يحب الصدام، ليس لأنه مسالم بالمعنى النبيل، بل لأنه يعرف أن الصدام مع أصحاب النفوذ قد يحرمه من الدعوات والتكريمات والمناصب الشرفية. هو بارع في التلون اللغوي، يختار الكلمات، التي لا تغضب أحدًا، ويصيغ الجمل، التي تصلح لأن تقرأ في كل اتجاه، فلا تعرف هل هو مع الحرية أم مع القمع، مع التغيير أم مع الركود.
والأدهى أن هذا النوع من المثقفين يملك قدرة مدهشة على تبرير انكماشه. سيخبرك أن المرحلة لا تحتمل التصعيد، أو أن الواقعية السياسية تقتضي المرونة، لكنه في الحقيقة لا يمارس المرونة بقدر ما يمارس الانبطاح الناعم، المغلف بخطاب ناعم.
هذا المثقف يزدهر في بيئات غامضة، حيث المبادئ فضفاضة، وحيث الجمهور يصفق لكل من يتحدث بعبارات إنشائية رنانة. وعندما تأتي لحظة الحقيقة، ويختبر موقفه في قضية واضحة، يختار الانسحاب أو الحياد، وكأن الحياد في لحظة الظلم موقف أخلاقي.
إن أخطر ما يفعله المثقف المطاط هو أنه يطبع الجمهور على فكرة أن التنازل والمساومة قيم طبيعية في الثقافة، في حين أن الثقافة في جوهرها فعل مقاومة للابتذال والانكسار.
المثقف الحقيقي قد يخسر منصبه أو امتيازه أو حتى حياته، لكن لا يفرط في مبدأ يراه حقا. أما المثقف المطاط، فهو على استعداد لأن يبيع المبدأ في مزاد العلاقات، ويشتري به فرصة في لجنة أو منصب استشاري أو حتى بطاقة دعوة VIP.
والسؤال، الذي يبقى: كيف نواجه هذه النماذج ؟ ..
ربما يبدأ الأمر بفضح التناقض بين خطابهم وأفعالهم، وكسر الهالة، التي تحيط بهم. لأن الثقافة إذا تحولت إلى مطاط، فقدنا البوصلة، وصار الصمت أخطر من القمع .. “
-كمبالا._ يوغندا
Leave a Reply