
بقلم: أ. محمد شريف
مقدمة
مع استمرار التحديات الاقتصادية في السودان، يظهر التحالف بين السكة الحديد والموانئ البحرية والجافة كفرصة استراتيجية حقيقية لإعادة هيكلة قطاع النقل وتحقيق التكامل اللوجستي. هذا التحالف لا يقتصر على رفع كفاءة نقل البضائع فقط، بل يمكن أن يكون محركاً رئيسياً للتنمية الإقليمية، جذب الاستثمار، وتعزيز موقع السودان كممر تجاري أساسي في إفريقيا.
أولاً: نماذج عالمية ناجحة
هناك نماذج عالمية ناجحة للتحالف اللوجستي بين السكة الحديد والموانئ البحرية والجافة في العديد من الدول كانت نقطة تحول حقيقية للاقتصاد الوطني، حيث تمت إدارتها بشكل احترافي ومُعالجة التحديات المؤسسية والتمويلية بفعالية. ومن أبرز هذه النماذج:
1. المغرب: تحالف ميناء طنجة المتوسط مع السكك الحديدية
أنشأت المغرب شبكة سكك حديدية تربط الميناء بالمناطق الصناعية والداخلية، ما أدى إلى تقليل زمن الشحن وزيادة تنافسية الميناء عالمياً.
تم تمويل المشروع من خلال شراكة بين الدولة والمستثمرين الدوليين مع إدارة موحدة للعمليات.
2. الهند: نموذج الموانئ الجافة المرتبطة بالسكك الحديدية
أقامت الهند موانئ جافة في مناطق داخلية ترتبط مباشرة بالموانئ البحرية عبر خطوط سكك حديدية مخصصة، مما ساهم في تخفيف الضغط على الموانئ الساحلية وتنشيط المناطق النائية.
3. جنوب إفريقيا: تحالف Transnet
شركة Transnet تدير شبكة السكك الحديدية والموانئ البحرية والجافة ضمن منظومة موحدة، مع إدارة مركزية وتكامل في التخطيط والتشغيل، مما عزز كفاءة النقل وخفض التكاليف بشكل ملحوظ.
ثانياً: إمكانيات التحالف في السودان
1. الفرص
ربط الموانئ البحرية الرئيسية بالموانئ الجافة في سوبا، عطبرة، قري وربما الأبيض ونيالا.
إعادة إحياء وتطوير خطوط السكة الحديد التاريخية لربط المناطق الزراعية والصناعية كمشروع الجزيرة وما يعرف بالخطوط الخصوصية.
تحفيز الاستثمار في البنية التحتية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
تقليل الاعتماد على النقل البري المكلف وغير المستدام بيئياً.
2. المخاطر والتحديات
ضعف التنسيق المؤسسي: استقلالية الهيئات وتباين الأهداف قد يعيق التكامل.
التمويل غير المستقر: غياب آليات التمويل المستدام قد يعرقل تنفيذ المشاريع.
البيروقراطية والفساد: ضعف الحوكمة قد يؤثر سلباً على الشراكات وإدارة الموارد.
البنية التحتية المتقادمة: السكك الحديدية بحاجة لتحديث شامل لدعم التحالف.
التفاوت الإقليمي: التركيز على مناطق معينة قد يخلق فجوات اجتماعية واقتصادية.
3. موجهات استراتيجية
إنشاء هيئة تنسيقية وطنية لإدارة التحالف تضم ممثلين من الجهات المعنية.
تطوير نموذج تمويل تشاركي يجمع بين الدولة، المستثمرين، والمجتمع المحلي.
تنفيذ مشاريع تجريبية في مناطق مختارة لقياس الجدوى قبل التوسع.
تطبيق الشفافية والحوكمة لتحقيق الاستدامة.
دمج التكنولوجيا الحديثة في إدارة العمليات اللوجستية، مثل أنظمة التتبع وتخطيط الجداول الزمنية.
خلاصة
التحالف بين السكة الحديد والموانئ البحرية والجافة ليس مجرد خيار اقتصادي، بل هو مشروع وطني لإعادة بناء جسور التواصل بين أطراف السودان، وتحقيق العدالة التنموية، واستعادة مكانة البلاد كمركز عبور إقليمي. النجاح يتطلب إرادة سياسية، رؤية استراتيجية، وتكامل مؤسسي حقيقي.
Leave a Reply