“رجب محمد عثمان رجب”

صحيفة الهدف

حمدي صلاح الدين

والله، لو علموا طهره ونقاءه، وعفّة يده ولسانه، ورجاحة عقله وحكمته، لما اعتقلوه ساعة.

أخي وصديقي وجاري ل13 عامًا، رجب محمد عثمان رجب، الحسيب النسيب، الشريف ابن الأكرمين، وأحد أعمدة شركات البربري، وضوء القبيلة الذي لم يستنكف طوال سني عمره عن خدمة أهله وجيرانه وقبيلته وعشيرته، مرفوع الهامة، عالي القامة، موفور الكرامة بلا منٍّ ولا أذى.

خرج رجب من رحم بيت كبير، غُرس فيه وفي إخوته حبّ الخير والعطاء والنزاهة والأمانة، فكان محطّ تجمع الناس لقضاء حوائجهم. عُرف بمسيرة طويلة من الاستقرار المهني، وهو أمر يشير بوضوح إلى عطائه الممتد وكفاءته ونزاهته وعفّة يده ولسانه.

نزح رجب كما نزح السودانيون فرادى وجماعات من الخرطوم إلى بورتسودان مع أسرتيه  الصغيرة والكبيرة، حيث الأهل والعشيرة، بعد حرب الأفيال التي أحرقت الأخضر واليابس.

ومع امتداد أمد الحرب وتوقف مصادر الدخل، يمّم رجب وجهه شطر السوق كحائط يتكئ عليه لمقابلة احتياجات الأسرة، محتميًا بجدار  الأهل والعشيرة من قبيلة البجا المتمددة  شرقًا، والتي ينتمي إليها رجب.

عرفت رجب منذ أعوام طويلة فاقت العشر، فكان أخًا وصديقًا لا تملّ مجالسته، وظلّ حكيمًا نزيهًا صادقًا، يقضي حوائج الناس بلا منٍّ ولا أذى.

كانت داره دار خير، ودار تلاوة، ودار قضاء لحوائج الناس ، ودار لقاءٍ يوميٍّ مسائي، مقصِدًا للأهل والأصدقاء والمحتاجين. وإنا على ذلك لشهود، فما عرفنا عنه إلا الاستقامة والطهر والنبل، فالناس شهود الله على الناس في الأرض.

ظل رجب نقيًا، طاهرًا، عفيفًا، أنيقًا، متسامحًا، كريمًا. ولولا هذه الصفات، لما حطّ الناس رحالهم في داره مساء كل يوم محبةً له وفيه.

تعرض رجب، قبل شهر من اليوم، للاعتقال  في بورتسودان، عندما نفّذت السلطات ما يُعرف بـ “الكشّة” في ذلك الشارع من السوق، فاقتادت العشرات ممّن أخذهم حظهم في هذا اليوم الى ذلك الشارع.

محاولات أهله وعشيرته لإطلاق سراحه باءت بالفشل، في ظل قوانين الطوارئ التي تسود البلاد بسبب الحرب.

وقديمًا قيل:

لولا المشقة ساد الناس كلهم … الجود يفقر، والإقدام قتّال

لذلك عزفت أيادي  كثيرين عن العطاء في أوقات المسغبة، إلا رجب، فكان كالبحر يتمدد عطاءً وصدقةً وهبةً، بلا منٍّ ولا أذى.

ظلّت أسرة رجب تتابع القضية ومساراتها دون جدوى، بعد أن امتد الاعتقال لشهر وأيام. وفي ظل قوانين الطوارئ المتجددة، تبقى النيابات والمحاكم وحتى المحامون أمرًا صعبا بعيد المنال.

سنكتب عن هذه القضية بكل أبعادها، وبما خلّفته من ضرر على رجب وأسرته، وعلى آخرين اعتقلوا معه، بجرم أو بغير جرم.

وتبقى الحرب أذى يتخطف الناس يمنة ويسرة، ما بين قتيل وجريح ونازح مشرّد ومعتقل تعسفيا.

ولعلها هي نفسها البلاد التي غنّى لها أزهري محمد علي قبل الحرب، متبنيًا خط “اللوم لها”، في علاقة  يسميها  أهل البلاغة “الحالية والمحلية”، حين قال:

يا دي البلاد الكل ما طايبتها

فتحت على جرحك جرح

الكل ما نقطلها الكلمات عسل

نزلت على خاطرك ملح

غنيتها بأدب المديح

سمت غناك قلة أدب

ومشيت وراها ضريح ضريح

فتشت في كل القبب

دقشت ورا الرزق الشحيح

ما أغنى مالها وما كسب

شغلوها بالنبي والمسيح

واتقاسموها رتب رتب

صمدت أمام وابل الرصاص

وسقطت أمام وابل الخطب

يا دي البلاد…

الكل ما طايبتها

طاب ليها في النفق المقام

زوجتها الحلم الجميل

خطبت خفافيش الظلام

فكّ الله أسرك يا صديقي، وأعادك سالمًا غانمًا إلى أسرتيك، الصغيرة والكبيرة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.