“الوزيرة الساحرة”

صحيفة الهدف

حمدي صلاح الدين

ذكرتُ سابقًا، في عدة مقالات، أن الوزير في كل دول العالم المتقدمة مهمته الأولى، والتي يُسأل عنها دوريًّا أمام البرلمان، هي تنفيذ خطة حزبه التي فاز بها كبرنامج انتخابي واجب التنفيذ، وليس من مهامه قطعًا “النجر” و”الشتل” و”التجريب”.

لهذا يُسمَّى الوزراء في أي حكومة بـ”الجهاز التنفيذي”، لأن مهمتهم هي تنفيذ برنامج موجود أصلًا، وليس الابتكار إلا في حدود ضيقة وضمن نطاق البرنامج المرسوم.

لذلك لم يتفاجأ العالم عندما قامت تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، بتعيين بيني موردونت وزيرةً للدفاع كأول بريطانية تشغل هذا المنصب، والذي من مهامه العمليات الاستراتيجية، وعضوية مجلس الأمن القومي في المملكة المتحدة، والإشراف على خطط الدفاع والنفقات، بجانب الشراكات الاستراتيجية مع الحلفاء مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وحلف الناتو، إضافةً إلى إدارة العمليات النووية والسياسات المرتبطة بهذا المجال.

وسبب عدم “الدهشة” أو “المفاجأة” هو أن بيني عملت في شبابها مساعدةً لساحر، قبل أن تدرس الدراما في مدرسة “فيكتوري لاند”، ثم الفلسفة في “جامعة ريدينغ”. أي أن لا علاقة لها بالأعمال العسكرية سوى كونها أدّت الخدمة وصُنِّفت كاحتياط في البحرية البريطانية.

إذن، وزارة الدفاع البريطانية كان على رأسها نائب ساحر سابق وخريجة دراما؛ ذلك لأن الوزير يُنفّذ السياسات بمساعدة خبراء ومستشارين. وإلا لما بقيت بيني، خريجة الدراما ومحبة السحر، شهرًا واحدًا في الوزارة. فما علاقة السحر والدراما بالسلاح النووي، وحلف الأطلسي، وحرب اليمن، والحرب الباردة، ودسائس المخابرات، وسكوتلانديارد، والمكتب الخامس البريطاني؟

وفي 9 أغسطس 2025 أعلن دونالد ترامب عن ترشيح مذيعة “فوكس نيوز” السابقة والمتحدثة باسم وزارة الخارجية الحالية، تامي بروس، لتولي منصب نائبة المندوب الأمريكي الدائم لدى الأمم المتحدة، برتبة سفيرة.

وإذا تم تأكيد تعيينها من قبل مجلس الشيوخ، ستعمل بروس تحت إشراف مايكل والتز، الذي رشحه ترامب في مايو 2025 لمنصب المندوب الأمريكي لدى الأمم المتحدة، والذي لا يزال في انتظار التأكيد.

تامي بروس معروفة بكونها شخصية محافظة، وقد شغلت سابقًا منصب مقدمة برامج في قناة فوكس نيوز، وألفت عدة كتب. انضمت إلى وزارة الخارجية الأمريكية في يناير 2025، حيث تولت منصب المتحدثة باسم الوزارة. ولا علاقة لها بالعمل الدبلوماسي لا من قريب ولا من بعيد؛ فلم تتدرج في السلك الدبلوماسي، ولم تمرّ بمراحل مثل “سكرتير ثالث” أو “سكرتير ثانٍ” أو “قنصل عام” أو أي درجة من درجات العمل الدبلوماسي.

وما بين موردونت وبروس، تظل تجربة بوريس جونسون تجربة فريدة؛ جونسون الصحفي الذي صار عمدة لندن، ثم وزيرًا لخارجية بريطانيا، ثم رئيسًا لوزرائها.

كل هذه النماذج لدولٍ تتمتع بكونها دول مؤسسات، حيث لا يغيّر الفرد في استراتيجيات أو تكتيكات أو مواقف المؤسسة المعنية أو الدولة ككل

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.