ته✍🏽 فيصل الزبير – جامعة الخرطوم
7 أغسطس 2025م
إن للبحث العلمي في الكليات التطبيقية بشكل عام أخلاقيات ومثل وقيم ولوائح معروفة لضبطه، وبشكل أخص البحوث العلمية التطبيقية والمرتبطة بحيوانات التجارب المعملية (Laboratory Experimental Animals) أو حيوانات التجارب الأليفة (Domestic Animals) أو المتوحشة (Wildlife Animals).
فربما هناك من يعتقد أن البحوث العلمية لا تحدها حدود ولا سقف، دون وضع الاعتبار لحيوانات التجارب. وأعتقد أن هذا الأمر قد ظل مثار جدل ونقاش (Controversional) في الأوساط العلمية، حيث يعتبر الأمر اختلافاً في المفاهيم والرؤى. فهناك من يرى أنه يجب أن تكون هناك قيود على البحث العلمي التطبيقي فيما يخص الرفق بحيوانات التجارب، وهناك من يرى غير ذلك، وأنه يمكن إجراء التجارب على الحيوانات بغض النظر عن مخاطر تلك التجارب العلمية وآثارها السالبة أو الجانبية على صحة الحيوانات (Adverse Effects).
فمثلاً في تجربة بحث علمي يمكن إعطاء عقار في شكل دواء أو هرمون بغض النظر عن طريقة الاستخدام (Route of Drug Administration). فمثلاً نجد أن حقن دواء في حيوان تجارب أنثى قد تكون في حالة حمل (Pregnancy)، مما قد يسبب تشوهات خلقية (Congenital Anatomical Defects) أثناء الحمل المبكر (6 – 8 أسابيع)، أو إحداث إجهاض (Induction of Abortion) للجنين (Conceptus) في أي مرحلة من مراحل الحمل، وبالتالي يمثل ذلك انتهاكاً سافراً لحقوق الحيوان ويتعارض مع دساتير أخلاقيات البحث العلمي فيما يخص استمرار الحمل بشكل آمن حتى نهايته بالولادة.
وعلى صعيد آخر هنالك من يعتبر أن حيوانات التجارب مقصود بها الحيوانات المعملية فقط والتي تشمل (Encompasses) الجرذان والأرانب وخنازير غينيا. وحقيقةً فإن الأمر لا يقتصر على حيوانات المعامل فقط، بل أيضاً يشمل الحيوانات الكبيرة مثل المواشي بكافة أنواعها (أبقار وضأن وماعز وخيول وإبل وخنازير) وبما فيها الحيوانات المتوحشة التي يمكن استخدامها كحيوانات للتجارب (Experimental Animals). وحتى بني البشر أحياناً يتم استخدامهم لإجراء تجارب وبحوث علمية محدودة كمتبرعين (Volunteers).
كما فعل إدوارد جينارد قبل قرون وهو يعتبر أبو علم المناعة، عندما حقن ابنه بمصل الدم الذي يحتوي على فيروس مرض جدري الأبقار من أجل إنتاج أجسام مضادة (Anti-bodies) والتي يتم حقنها في المصابين بالمرض فيما بعد في شكل ما عرف لاحقاً بالفاكسين (Vaccine) لتحسين مناعتهم وحمايتهم من ذلك المرض اللعين الذي فتك بالملايين من البشر في أوروبا في تلك الحقبة الزمنية المظلمة. وبقية القصة معروفة لديكم. حيث أجرى تجربته في ابنه بغض النظر عن النتائج والآثار الجانبية عليه، وبالتالي قدم خدمة للبشرية وأحدث ثورة علمية وزلزالاً في مجال المنتجات البيولوجية. وأراد الله فنجحت تجربته، وبالتالي وضع اللبنات الأساسية لعلم المناعة (Immunology) في العالم، وكانت تجربته نقلة نوعية في علوم الطب البشري والبيطري.
إن الجامعات كمؤسسات أكاديمية وبحثية ومراكز البحوث العلمية في الدول الغربية المتحضرة تشترط الحصول على تراخيص رسمية (Ethical Approval or Ethical Clearance) من الجهات الرسمية المختصة بأخلاقيات المهنة والأكاديمية البحثية عند إجراء البحوث العلمية التطبيقية. وكذلك المجلات العلمية العالمية الشهيرة لا تقبل نشر أوراق علمية مهما كانت قيمتها ونتائجها إلا بإبراز الترخيص الأخلاقي (Ethical Approval or Ethical Clearance) من الجهات الرسمية.
فمثلاً في السودان لدينا تجربة حيّة في الجميلة والمستحيلة، حيث وُجد قسم نشط في أمانة الشؤون العلمية باسم “الأخلاقيات الأكاديمية والبحثية” مختص بإصدار تراخيص أخلاقيات البحث العلمي لطالبي الخدمة بعد أن يتقدم طالب الدراسات العليا بخطاب رسمي صادر من الأستاذ المشرف على البحث، عبر السيد رئيس القسم المعين، عبر السيد عميد الكلية المعينة، لتلك الإدارة بأمانة الشؤون العلمية، مرفقاً معه مشروع البحث (Research Proposal) موضحاً فيه كما هو معلوم مبررات إجراء البحث وأهدافه، والذي يشمل كذلك نوع الحيوان المستخدم وعمره وحالته الفيزيولوجية والصحية وعدد الحيوانات المراد استخدامها في التجربة، والفوائد المنتظرة أو المتوقعة لذلك البحث العلمي على الإنسانية بشكل عام، وعلى النتائج العلمية بشكل أخص.
ومن ثم تنظر الإدارة الموقرة، التي تضم عدداً من العلماء والخبراء، في مشروع البحث بصورة محايدة، ومن ثم التدقيق فيه حتى تتم المصادقة لإجراء البحث بخطاب رسمي، أو رفض الطلب إن كانت أهداف البحث غير منطقية وليست ذات جدوى وفوائد منتظرة على أرض الواقع. ومن بعد ذلك يُسمح للطالب بإكمال التسجيل لإجراء البحث، أما إذا رُفض الطلب فلن يتم التسجيل بالطبع.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مجلس أبحاث كلية الطب البيطري الموقر بجامعة الخرطوم يشترط على الطالب بعد أن تتم إجازة مشروع البحث عبر المؤسسية المعروفة، الحصول على الترخيص الأخلاقي اللازم من الإدارة المختصة بالشؤون العلمية. وهو شرط أساسي لإكمال إجراءات التسجيل في الدراسات العليا لنيل الدرجة العلمية المعينة.
وأُتيحت لي الفرصة للاطلاع على كتيب صادر عن القسم المختص بالأخلاقيات بأمانة الشؤون العلمية بجامعة الخرطوم مطلع هذه الألفية (2019م) باللغتين العربية والإنجليزية، في عهد البروفسور أحمد سليمان مدير جامعة الخرطوم الأسبق (2015 – 2019م) تقريباً، تم فيه تناول المواثيق واللوائح والتشريعات القانونية التي تنظم الأخلاقيات المهنية والأكاديمية والبحثية في جامعة الخرطوم، متناولاً الأمر من كل الجوانب والزوايا.
وبالتالي تعتبر جامعة الخرطوم كمؤسسة أكاديمية وبحثية محترمة وذات أقدام راسخة وتقاليد متوارثة عبر تاريخها الطويل (123 عاماً). علماً بأنها رائدة في هذا المجال كما عهدناها دوماً عبر كل العصور والأزمنة والحقب. فهي القاطرة التي تجر من خلفها مؤسسات التعليم العالي السودانية عن جدارة واستحقاق. ودونكم التصنيف الأخير (2025م) للجامعات السودانية حيث حازت على الصدارة عن جدارة واستحقاق في السودان وفق كل المعايير المستخدمة لتصنيف وترتيب الجامعات عالمياً.
وتميز جامعة الخرطوم على سائر الجامعات السودانية عبر مختلف الإدارات التي مرت عليها بسبب ديدنها الثابت دوماً، وهو التمسك بالمهنية والعلمية والمؤسسية والشفافية في كل القرارات بما فيها ما يخص أخلاقيات البحوث العلمية وفي كل القرارات المفصلية التي تصدر عن مجالسها المختصة كمؤسسة محترمة ورائدة محلياً وإقليمياً.
ومن المؤكد أن بقية مجالس الأبحاث في الكليات التطبيقية الأخرى بجامعة الخرطوم والتي تستخدم حيوانات التجارب بمختلف فصائلها في أبحاثها العلمية (إنتاج حيواني، علوم، مختبرات طبية، طب بشري، صيدلة، أسنان، ومراكز الأبحاث الأخرى التي تتبع للجامعة)، تنتهج نفس النهج والطريق والسياسة التي تنتهجها كلية الطب البيطري التي ضربت بها المثل وليس للحصر، وذلك بالتمسك والالتزام بأخلاقيات البحث العلمي فيما يختص بحيوانات التجارب بكافة فصائلها، حيث تضع الرفق بتلك الحيوانات نصب أعينها ومن صميم واجباتها الأخلاقية والمهنية. ولا أقصد بالطبع بقية الأخلاقيات التي تخص البحث العلمي المعروفة والمحفوظة عن ظهر قلب للجميع والموروثة جيلاً عن جيل.
كما أتوقع وبشكل جازم وقاطع أن تكون بقية الجامعات السودانية، الحكومية منها والخاصة، تسير على نفس نهج جامعة الخرطوم في هذا الأمر المهم والمفصلي الذي رسمته بخبرة أساتذتها وعلمائها الكبار، وعبر تاريخها البحثي والأكاديمي الطويل والعريض منذ النشأة وحتى الآن.
وفي الختام لدي مقترح بسيط أتمنى أن يجد طريقه للأخذ في الاعتبار وأن يرى النور، وهو أن تعمل إدارة جامعة الخرطوم على تسليط مزيد من الأضواء على قسم الأخلاقيات الأكاديمية والبحثية التابع للشؤون العلمية فيما يخص حيوانات التجارب، عبر هذا القسم النوعي المتخصص، وذلك بإعادة هيكلته لإعطاء الترخيص الأخير لإجراء البحوث العلمية التطبيقية (Ethical Approval Administration or Ethical Clearance Administration)، بحيث تكون هنالك إدارة مركزية في أمانة الشؤون العلمية مع تكوين أقسام فرعية في مجمعات كليات العلوم التطبيقية التي تجري تجاربها وأبحاثها العلمية على حيوانات تجارب معملية أو الحيوانات الحقلية، أي أقسام فرعية في مجمعات شمبات والوسط والمجمع الطبي، من أجل تقصير الظل الإداري، مع إعطاء مزيد من المرونة وتجنب “شيطان البيروقراطية” في اتخاذ القرارات بخصوص أخلاقيات المهنة التي ترتبط بتلك الحيوانات.
وذلك تسهيلاً لإجراءات تسجيل طلاب الدراسات العليا ولإعطائها مزيداً من الكفاءة في اتخاذ الإجراءات، مع تفعيل هذه الأقسام لتقوم بدورها المنوط بها على أكمل وجه، وذلك بتوفير الدعم اللوجستي اللازم لضمان نجاح تلك الأقسام في مهامها.
كما أتمنى وأحلم أن تكون هنالك إدارة منفصلة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مختصة بأمر أخلاقيات البحث العلمي.
وللأمر عودة بإذن الله.

Leave a Reply