الجيش السوداني في عيده الـ71

صحيفة الهدف

✍🏽 بروف صديق تاور

● تعرض الجيش السوداني خلال حرب ١٥ أبريل، والتي لا تزال مستمرة، لهزات مزلزلة في معارك استنزاف بشرية ومادية كبيرتين، لم يتخذ قرارها، ولا ميدانها ولا توقيتها، مثلما لم يحدد أهدافها. فهي معارك فُرضت عليه من قيادته العليا، بعد أن تخلت عن مهمتها العسكرية المهنية، وتحولت لمنظومة من أصحاب الأطماع السلطوية العمياء. وبسبب هذه الأطماع، التي توضحت منذ ١١ أبريل ٢٠١٩م، ارتكبت هذه القيادة باسم الجيش أخطاء قاتلة، في سبيل الحفاظ على مصالحها الانتهازية بالاستحواذ على السلطة.

● فالشعب السوداني يرى في الجيش كمؤسسة رمزية سيادية مهمة للحفاظ على الدولة واستقرارها، دون أن يكون لها دور سياسي، كسائر جيوش العالم المهنية المعاصرة. إلا أن مجموعة ممن أخذوا صفة المجلس العسكري الانتقالي قد فرضوا أنفسهم على المشهد، مستغلين وجودهم على رأس هذه المؤسسة، ووظفوها توظيفاً سياسياً واقتصادياً معادياً لتطلعات الشعب السوداني ومصالحه ومبادئ انتفاضة ديسمبر المجيدة.

● وبدلاً من إجراء الإصلاحات اللازمة في هذه المؤسسة، انخرطوا في تحالفات وتداخلات وسمحوا بتدخلات مهينة، من نوع تحقيقات سناء حمد وعلي كرتي، ومجزرة فض الاعتصام أمام ساحة القيادة العامة، واستقدام الموساد الإسرائيلي لداخل المؤسسة العسكرية، وإطلاعه على أسرار حساسة فيها، وتقوية القوات الموازية على حساب الجيش الرسمي، ورعاية المليشيات الجهوية والقبلية، وتبني بقايا كتائب المتأسلمين المتطرفة، والتحالف مع فلول النظام الذي أسقطه الشعب بالثورة، وإعادتهم لمواقع السلطة، وحماية الفساد والمفسدين، ومعاداة الحريات العامة والقوى الحية في المجتمع من أحزاب ونقابات وغيرها، بتطابق الخطاب الإعلامي للجيش مع خطاب الفلول وأبواقهم الإعلامية.

● ثم انقلابهم العسكري في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، الذي قطع الطريق على الانتقال المدني والتحول الديمقراطي، وهيأ الظروف لحرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، التي أشعلت الحريق في كل البلاد.

● لقد سمحت مجموعة المجلس العسكري الانقلابية لنفسها بالارتماء كلية في حضن فلول نظام الإخوان، ورهن قرار الجيش السوداني كله لخدمة مخططاتهم الإجرامية، حتى ورطوه في حرب رعناء عبثية. ولا تزال هذه القيادة الانقلابية تستجيب لضغوطهم، ومساعيهم لاستمرار الحرب، بعرقلة مساعي وضع حد لها، على حساب الجيش والشعب معاً.

● لقد وصل أمر التفريط في هيبة القوات المسلحة السودانية، لدرجة أن يعلن مواطن عادي ليست له أي صفة رسمية في الدولة، في مؤتمر صحفي، تواصله مع دولة أخرى لتدريب خمسين ألف شاب لحماية الإقليم الشمالي، ثم يمضي هذا المواطن لحال سبيله، من داخل العاصمة البديلة، دون أن يتعرض لأي إجراء حاسم.

● وأيضاً ما صدر عن ما يسمى قائد “البراؤن”، والذي رد على نائب القائد العام للجيش، رداً على إعلانه ضرورة تجميع القوات المساندة للجيش في معسكرات خارج المدن، بكل وقاحة قائلاً: (ما بناخد تعليمات من زول، وما في راجل مالي عيننا)، هكذا.

● أضف لذلك السماح لبقايا عناصر المتأسلمين الأمنية بارتكاب انتهاكات وفظائع غير مسبوقة على الإطلاق، تحت مظلة الجيش.. مثل ذبح الأسرى وقطع الرؤوس وبقر الأحشاء، وتصفيات المدنيين باتهامات مفبركة، والتباهي بكل تلك البشاعات والفظائع أمام الكاميرات، وبملابس الجيش السوداني، والترويج لها، بعناوين “العمل الخاص” و”كتائب الظل” و”الأمن” وغيرها.

● هذا غير إعلاميي الجماعة الذين يسرحون ويصرخون بالشتائم والسخرية من الجيش، بمناسبة وبدون مناسبة، في محاولة لنسبة تضحيات الجيش لهم بالعافية. وكثير من هذه الأشياء حتى باتت في حكم المعتاد.

● لقد خصم هذا السلوك ليس فقط من قيادة الجيش الانقلابية، وإنما من كامل المؤسسة العسكرية وصورتها التقليدية في نظر الشعب.

● في العيد الـ71 صارت أغلب جغرافية البلاد خارج سيطرة الدولة. وصار عدد الجيوش الموازية والمليشيات أكثر من أربعين، جيشاً ومليشيا متحالفة أو متحاربة مع الجيش.

● تسببت هذه الحرب العبثية التي فُرضت على الجيش السوداني من خارج مؤسساته المعروفة، في خسائر غير متصورة، لأنها لم تكن قراره، ولم يكن على علم أو تنوير بها أو مستعداً لها. خسائر بشرية من شباب السودان المنتسبين إليه، الذين فقدوا أرواحهم بالآلاف، وأسرى من كبار قادته بطرق مهينة ومذلة، دون أن يدروا من الذي وضعهم في هذا الموضع ولماذا.. وخسائر من بنيته التحتية وقدراته التقليدية، ومن سمعته بين جيوش المنطقة.

● ما حدث للجيش السوداني في حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، وقبلها، يتحمله تحالف القيادة الانقلابية والفلول، الذين لا يهمهم غير كرسي السلطة، ولو على جماجم الشعب وأشلاء البلاد.

● ليس من مصلحة الشعب السوداني أن يتفكك جيشه الوطني أو يتقزم، لكي يبحث عن جيش جديد من شتات المليشيات والحركات. كما ليس من مصلحة الجيش نفسه أن يرهن مصيره ومستقبله لخدمة أكثر الفئات التي استغلته أسوأ استغلال وأذته.

● بناء جيش مهني قومي واحد، يحرس الحدود، ويلتزم بالدستور والقانون، ولا يتدخل في السياسة والاقتصاد، هو الدرس الأهم من دروس هذه الحرب اللعينة. جيش يُبنى على أساس المواطنة والأهلية المهنية، وليس على أساس الموازنات الجهوية والقبلية.

● وأن تنتفي ظاهرة الجيوش الموازية والمليشيات والفصائل المسلحة، وحمل السلاح خارج مؤسساته وأطره المتعارف عليها وفق القوانين الوطنية والدولية.

التحية لشهداء القوات المسلحة السودانية، وقياداتها التاريخية الوطنية، منذ بواكير النضال الوطني.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.