رموز الموت العالمية في الأدب العربي

صحيفة الهدف

محجوب المهدي

#ملف_الهدف_الثقافي

لطالما كان الموت محورًا أساسيًا في الأدب العربي، لكنه لم يعد مجرد نهاية حتمية للحياة. ففي سياق الانفتاح المعرفي والتلاقح الثقافي، بدأ الأدباء العرب يغوصون في أعماق الرموز والطقوس الجنائزية العالمية، ليجدوا فيها مصادر جديدة للإلهام ومعاني أعمق. هذا التفاعل لم يقتصر على استعارة الأفكار، بل تحول إلى حوار فني وفلسفي يثري النتاج الأدبي ويمنحه أبعادًا رمزية وفكرية متعددة.

تحولات خطاب الموت في الشعر العربي

تعد دراسة “تحولات خطاب الموت في الشعر العربي” لهيلة عبدالرحمن المنيع، المنشورة في مجلة الآداب والعلوم الإنسانية، نموذجًا بارزًا لفهم هذه الظاهرة. تكشف الدراسة عن كيفية استفادة الشعراء العرب من رموز الموت في ثقافات أخرى، مثل “السمسارا” الهندوسية البوذية، التي تعبر عن دورة الحياة والموت، أو “التحنيط” المصري الذي يرمز للخلود، أو حتى “الدفن السماوي” التبتي الزرادشتي، الذي يعكس الانفصال عن الأرض.

لم يعد الموت في الشعر العربي الحديث نهاية، بل أصبح بداية سردية وفلسفية، وقيمة رمزية تتشكل وتتغير حسب السياق الديني والاجتماعي والسياسي. وقد تأثر الشعر العربي الحديث بالرموز العالمية في عدة جوانب:

  • الانبعاث والخلود: استعار الشعراء مفاهيم مثل السمسارا والتحنيط ليعبروا عن فكرة البعث بعد الموت، خاصة في سياقات الحروب والنكبات، محولين الموت إلى أمل في ولادة جديدة.
  • الدفن السماوي كرمز للتحرر: استخدم بعض الشعراء صورة الجسد الذي يُترك للطيور أو يُرفع إلى السماء كرمز للتحرر من القهر السياسي والاجتماعي، والانفصال عن قيود الواقع المؤلم.
  • الموت كوثيقة تاريخية: بدأ الشعراء يتعاملون مع الجسد الميت كأرشيف للذاكرة، خاصة في قصائد المنفى والهوية، مستلهمين رمزية “خوانيتا” كشاهد على تاريخ من الألم والمعاناة.

“تاو تاو” و”خوانيتا”: رموز عالمية في الرواية العربية

لم يقتصر هذا التأثر على الشعر، بل امتد إلى الرواية العربية التي بدأت تستلهم رموزًا عالمية مثل “تاو تاو توراجة” و”خوانيتا” لإعادة تشكيل خطاب الموت والهوية والذاكرة.

رمزية “تاو تاو توراجة” في الرواية العربية

“تاو تاو” هي تماثيل خشبية تمثل الموتى في ثقافة شعب توراجة الإندونيسي، وتُعرض على شرفات المقابر لتكون حضورًا رمزيًا للأموات بين الأحياء. في الرواية العربية، أصبحت هذه التماثيل:

  • رمزًا للذاكرة الجمعية: تُستخدم لتمثيل شخصيات فقدت حياتها في ظروف قهرية، لكن المجتمع يرفض نسيانها.
  • رمزًا للهوية المنفية: في روايات المنفى والشتات، يصبح التمثال وسيلة لاستعادة الذات المفقودة.
  • شاهدًا صامتًا على الجريمة: يُستخدم لإضفاء بعد نقدي على النصوص التي تتناول الجريمة السياسية أو الطائفية.

رمزية “خوانيتا” في الرواية العربية

“خوانيتا” هي فتاة من حضارة الإنكا، عُثر على جثتها محفوظة في الجليد، لتصبح رمزًا للتضحية والخلود. في الرواية العربية، تُستدعى هذه الرمزية لتعبر عن:

  • الأنوثة المجمدة: تظهر كرمز للمرأة التي وقعت ضحية للتاريخ أو السلطة، وحُرمت من فرصة الحياة.
  • الذاكرة المجمدة: يتحول جسدها إلى وثيقة تاريخية تتناول المجازر والحروب الأهلية، مسجلةً ما حدث من ألم.
  • الخلود عبر الألم: يُنظر إليها كرمز للتحول الجسدي إلى أرشيف للمعاناة والبطولة، مما يمنحها خلودًا رمزيًا.

ختامًا

إن استعارة الأدباء العرب لرموز الموت العالمية ليس مجرد تقليد أو محاكاة، بل هو دليل على نضج الوعي الفني والفلسفي، وعلى قدرة الأدب العربي على الحوار مع ثقافات العالم. هذا الحوار لا يضيف فقط أبعادًا جمالية، بل يعيد تعريف مفهوم الموت نفسه، ليصبح بوابة للنقد، والذاكرة، والأمل، والخلود.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.