
عصام حسن إبراهيم
#ملف_الهدف_الثقافي
كبرنا… وبلغنا الضفة التي يرسو عندها القلب، باحثًا عن الصمت، عن المساحة التي تفضّل السلام على الجدال، والسكينة على اشتعال الغضب. لم نعد نركض وراء الشرح، ولا نُهدر أنفاسنا في إقناع من لا يريد أن يفهم، فبعض الأبواب إن أصرّت على الانغلاق، فُتح غيرها لنا بقدر الله.
صرنا ننظر من علٍ، لا تكبّرًا، بل لأننا ابتعدنا عن زحام يعكّر صفو الروح. تركنا الطاولات التي كانت قلوبنا تجلس عليها لتعاتب، وتخلّينا عن الأسئلة المكرورة: لماذا؟ وكيف؟ فالأرواح استهلكت من نفسها ما يكفي، والذاكرة تعبت من إعادة المشاهد نفسها.
اليوم نمرّ… نراقب… نبتسم… ونصمت. لا هروبًا، بل وعيًا ونضجًا، وحفاظًا على راحة لا تُشترى. لم تعد التفاصيل الصغيرة تسكننا كما كانت، صارت جسورًا نعبرها دون أن نطلّ إلى الأسفل. تعلمنا أن السلام الداخلي أغلى من أي انتصار لفظي، وأن خسارة جدال أحيانًا تعني ربح عمرًا كاملًا من الهدوء.
نسلّم بما كتبه الله، لأننا أدركنا أن الحياة ليست مسرحًا نحلّل فيه أدوار الجميع، ولا حتى أدوارنا. نسامح، لا لأنهم يستحقون، بل لأن القلب ضاق بحمل الأذى. نسامح الأعداء، فالله كفيل بهم، ونسامح الأحباب، حتى لو خسرناهم في الواقع، كي لا نخسرهم في القلب، فبعض الأشخاص تبقيهم الدعوات أحياء فينا أكثر من اللقاءات.
نعلم أن كل يوم يُدفن في صندوق الذكريات بلا رجعة، فَلِمَ نثقله بالحزن والخصام؟ لماذا نُرهق أنفسنا بمحاولة إصلاح ما لا يُصلَح، أو إثبات ما لا يعني أحدًا سوانا؟ الحياة قصيرة، والوقت لا ينتظر المتردّدين، فما ذهب لا يعود إلا في الحلم.
لا وقت لحمل الضغائن؛ فالخاطئون سيخطئون، والخذلان لن يتبدّل مهما أكثرنا العتاب. فلنمضِ نبني شيئًا جديدًا: حلمًا، فكرة، دعاءً. فإن أثمر في الدنيا كان خيرًا، وإن ادّخر للآخرة كان خيرًا وأبقى.
أما العتاب… فقد صار ترفًا لا يليق بمن ذاق معنى الزمن. عش ببساطة، سامح بعمق، وابتعد بصمت؛ فمن يراك هادئًا اليوم، لا يدرك كم حربًا أطفأت في داخلك كي لا تؤذي أحدًا.
وتذكّر… أن القلب الذي يختار السكينة، لا يخسر أبدًا، حتى لو رحل عنه الجميع.
Leave a Reply