رحيل صنع الله إبراهيم… ستة عقود من الكتابة ضد الطغيان

صحيفة الهدف

محمد عبد الرحيم- كاتب مصري

#ملف/الهدف_الثقافي

لم تنفصل تجربة صنع الله إبراهيم (24 فبراير 1937 ـ 13 أغسطس 2025) السياسية والحياتية عن تجربته الروائية، التي صاغ من خلالها حياته وحياة المجتمع المصري في فترة من أشد فتراته تحولًا وانقلابًا. بداية من روايته الأولى “تلك الرائحة” (1966)، وحتى رواية “1970” (2019)، وكأنها كشف حساب لزمن ناضل خلاله، حيث كان دائمًا على يسار النظام، مهما كان هذا النظام، ثم العداء والمواجهة كما في رواية “ذات” (1992)، والمصير المحتوم والمؤلم كما في رواية “شرف” (1997).

لم يكتفِ صنع الله إبراهيم بمناقشة ومجادلة الحياة السياسية المصرية بحدة وسخرية مريرة، وتناول عهود ما بعد انقلاب يوليو 1952، وكيف حارب فكرة “الرأي الواحد” و”الزعيم الأوحد”، والتفت دومًا إلى المجموع، هؤلاء الذين لم تلحظهم الكاميرا ومانشيتات الصحف وأغنيات الإذاعة، وهو ما رصده في “نجمة أغسطس” (1974)، مجسدًا تجربة السد العالي من وجهة نظر مختلفة تمامًا عن السائد والمألوف وقتها.

ولم يكتفِ الرجل أيضًا بالبحث ـ فكل رواية من رواياته تعد بحثًا تاريخيًا وسياسيًا بامتياز ـ في التاريخ القريب الذي عاصره وعايشه، وغاب في سجونه، بل أصبحت دراسة الشعب المصري وحالة المقاومة التي يعيشها أو تُفرض عليه فرضًا هي الأهم. فنجده يعود إلى التاريخ، في شكل مختلف تمامًا عما كُتب عن تلك الفترات، ويتأمل حال المصريين وقت الحملة الفرنسية كما في رواية “العمامة والقبعة” (2008). فالأمر لا يقتصر على دراسة ما حدث، ولكن كيف ولم حدث، وحتى لا يتكرر.

فكرة المقاومة، التي هي النغمة الأساس في كل أعماله ـ رغم تباينها ـ تجاوزت الحياة المصرية، وأصبحت حالة عربية يبحث عنها ويوثقها في لغة فنية بعيدة عن المباشرة. فنراه يترصد أحوال الحرب الأهلية في لبنان كما في رواية “بيروت بيروت” (1980)، وكذلك النضال والمقاومة في عُمان كما في رواية “وردة” (2000). فكرة المقاومة هذه ظل الرجل ينادي بها حتى رحيله، دون يأس رغم تباين الظروف وشدة قسوتها. حتى إنه في آخر الندوات التي حضرها، بمناسبة انعقاد ملتقى القاهرة الأدبي في 2024، جاءت كلمته الأخيرة بمطالبة النظام المصري وحكومته بسحب السفير الإسرائيلي من القاهرة، تعليقًا على ما يحدث في غزة.

ولم تنفصل فكرة المقاومة هذه عن الرجل نفسه، وقد رفض “جائزة الرواية العربية” في دورتها الأولى عام 2003، التي أقامتها وزارة الثقافة المصرية، نظرًا لكونها جائزة آتية من حكومة ونظام يفتقدان المصداقية. وهو ما أكده مرة أخرى عند تسلمه “جائزة الشعب” عام 2018، التي أهداها إلى ثورة يناير وسجناء الرأي، قائلًا: “إنها جاءت في ذكرى نفض الشعب لتكلسات عقود من الأسى والاستبداد، إلا أن هذه السعادة للأسف لن تكتمل، فغياب السعادة يرجع لغياب مَن ضحوا، والقابعين خلف القضبان الآن بسبب جريمة التعبير عن الرأي”.

بيبلوغرافيا

صنع الله إبراهيم، من مواليد القاهرة 1937. من أعماله: “تلك الرائحة”، “اللجنة”، “نجمة أغسطس”، “بيروت بيروت”، “ذات”، “شرف”، “وردة”، “أمريكانلي (أمري كان لي)”، “التلصص”، “العمامة والقبعة”، “القانون الفرنسي”، “الجليد”، “برلين 69″، “رواية 67”.

وفي مجال الترجمة: “التجربة الأنثوية/ قصص لأديبات غربيات”، “العدو” للأمريكي جيمس روث، “حمار بوريدان” للألماني جونتر دي برو.

كما كتب عدة قصص للأطفال، منها: “رحلة السندباد الثامنة”، “يوم عادت الملكة القديمة”، “عندما جلست العنكبوت تنتظر”، “الدولفين يأتي عند الغروب”، “الحياة والموت في بحر ملون”، “اليرقات في دائرة مستمرة”، “زعنفة الظهر يقابل الفك المفترس”، “الصقر الأسود يتلقى إنذارًا”، “المرجان يستعين بالصواريخ”، “الحصان ينتقم لرفيقه”.

نال العديد من الجوائز، منها: جائزة غالب هلسا (1992)، جائزة العويس (1994)، جائزة ابن رشد للفكر الحر (2004)، جائزة كفافيس (2017).

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.