
أحمد محمود أحمد
#ملف_الهدف_الثقافي
عبر مرحلة الستينيات من القرن الماضي، اجترح رولان بارت البنيوي الفرنسي نظرية “موت المؤلف”. حيث انطلق رولان بارت من منظور بنيوي عاين من خلاله للأدب ضمن منظور مختلف، منطلقًا من كون أي ظاهرة (نص، أسطورة، سلوك اجتماعي) تتكون من بنية داخلية خفية تنظمها، ومن أجل فهم هذه الظاهرة، فيجب تحليل هذه العلاقات وليس بالضرورة الرجوع إلى الفاعل أو المؤلف أو السياق الخارجي.
هذا المنحى يعطي القارئ سلطة تفكيك النص وإعادة بنائه دون الرجوع للمؤلف، ويمكن كتابة نص موازٍ لنص المؤلف وقد يتفوق عليه. وبهذا المعنى فإن حدود المؤلف تنتهي عند حدود كتابة النص. هذه العملية وضمن أفق التحليل البنيوي تجعل القارئ شريكًا في النص وإعادة تأويله أو حتى إعادة كتابته ضمن صيغة أخرى. هذه الصيغة تضع اعتبارًا للقارئ وتشركه في بنية النص. هذه الحالة التي يتم فيها “قتل المؤلف” لا تلغي دور المؤلف واستمراريته في كتابة النصوص، إنما تشتغل على النصوص المنتهية كتابتها والتي قد وصلت للقارئ.
في تقديري، وعبر هذه المرحلة وبانبثاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فإن “القتل” للمؤلف يتجاوز القراءة التفاعلية بينه والقارئ ليصل إلى إزاحته من المشهد تمامًا، حيث يحل الذكاء الاصطناعي محل الكاتب في كتابة النصوص وتصديرها، ويقال إنه باستطاعة الذكاء الاصطناعي كتابة وإخراج أفلام. وبالتالي فإن علاقة الكاتب والقارئ تواجه تحديًا كبيرًا، حيث إن القراءة دومًا تؤدي إلى الكتابة. وطالما أن هناك من يكتب دون حاجة للقراءة، وكما يفعل الذكاء الاصطناعي، فلماذا يقرأ الناس؟
قد يقال يقرأ الناس من أجل المتعة، لكن قراءة المتعة لا تبني معرفة حقيقية. ومن هنا فإن فكرة الذكاء الاصطناعي ومع أهميتها تعتبر مهددًا كبيرًا لنسق المعرفة الذي عرفته البشرية، وسوف يتراجع دور الكتابة البشرية لتسيطر الكتابة المعلبة التي تتطلبها الضرورة الوقتية. وبهذا المعنى، فإن حوارية المؤلف والقارئ قد تتفكك، فقد يكون لدينا متعلمون يعرفون كيف ينتجون نصوصًا وبحوثًا عبر الذكاء الاصطناعي، وقد ينتفي المؤلف ومعه القارئ الذي يسهر الليل من أجل اكتناز المعرفة.
وبهذا المعنى، قد تنهار نظرية “المجال العام” والقائمة على فكرة التواصل بين الناس، والتي نادى بها الفيلسوف الماركسي الألماني هابرماس، حيث يرى هابرماس أن المجال العام هو فضاء اجتماعي مستقل عن الدولة والسوق، يلتقي فيه الأفراد كمواطنين لا كمستهلكين أو موظفين، وأن يتبادلوا الآراء ويناقشوا القضايا العامة بشكل عقلاني يساهم في تشكيل الرأي العام.
هذا الاتجاه الذي يقصده هابرماس يتم عبر المكتبات والمقاهي والتي تنتج حوارات بين الناس العاديين لمواجهة ثقافة “العقل الأداتي” المرتبطة بالنظام الرأسمالي وطبيعته المادية. هذا الطرح لم يظل قائمًا في ظل تكنولوجيا الإنترنت حيث اللقاء يتم عبر الوسائط الاجتماعية والتي تجعل البعض هو المحاور الوحيد الذي يرسل الأفكار وبغض النظر عن جودتها. ويأتي الذكاء الاصطناعي ليهمش القراءة والكتابة معًا وضمن هذا ينتفي المجال العام الذي تصوره هابرماس كبوصلة للتواصل الإنساني، ومعه ينتفي الإنسان الذي يبدع ويصبح الذكاء الاصطناعي هو العقل الفعال.
Leave a Reply