
أمجد أحمد السيد
#ملف_الهدف_الثقافي
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كتب شاب عراقي قصيدة ستصبح لاحقًا من أشهر نصوص الغناء العربي الحديث. لم يكن شاعرًا محترفًا، بل طالبًا بسيطًا في كلية الآداب بجامعة بغداد، اسمه حسن المرواني، ينحدر من أسرة فقيرة في مدينة ميسان. عاش حياة متواضعة، يحمل في داخله رصيدًا من الأحلام والبراءة، حتى وقعت عيناه على زميلته “ليلى” فملكته بفتنتها، وأحبها وأحبته، واتفقا على الزواج بعد التخرج.
لكن القدر لم يمنحهما نهاية سعيدة. ففي عامه الدراسي الأخير، فوجئ حسن بليلى تدخل الجامعة برفقة خطيبها الجديد، ابن عمها. كان وقع الصدمة قاسيًا، حتى أنه انقطع عن الدراسة فترة، قبل أن يعود ويكمل مشواره الأكاديمي.
في يوم التخرج، جاء حسن مرتديًا السواد، يخفي دموعه بصعوبة. وبينما كان يجلس مع أصدقائه، دعاه زميله أشرف الكاظمي لإلقاء قصيدته الأخيرة. وقف أمام زملائه، ونظر نحو ليلى وخطيبها، وبدأ بإلقاء أبيات من القلب:
ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي واستسلمت لرياح اليأس راياتي
كانت الكلمات سهامًا من حزن، كشفت عن جرح عميق وحب أُجهض بفعل الظروف والفقر. بكت ليلى من بين الحضور، وحاولت أن توقفه، لكنه أكمل:
ممزق أنا لا جاها ولا ترفًا يغريك في.. فخليني لآهاتي
لم تكن القصيدة مجرد نص، بل اعتراف صريح أمام الحضور بمرارة الخيانة وقسوة الواقع. كان يخاطبها أحيانًا، ويواجه خطيبها أحيانًا أخرى، حتى أجهش الجميع بالبكاء. وعندما أنهى، ترك الميكروفون وغادر، بينما أغمي على ليلى بعد دقائق.
بعد تلك الحادثة عام 1979، غادر المرواني العراق إلى الإمارات، وبقي بعيدًا لسنوات طويلة. أما القصيدة، التي تجاوزت 350 بيتًا، فقد خلدتها جدران جامعة بغداد، قبل أن تصل لاحقًا إلى المطرب كاظم الساهر، الذي بحث خمس سنوات عن صاحبها، ليحولها إلى واحدة من روائع الغناء العربي: “أنا وليلى”، حيث يلتقي الشعر بالمأساة في قصة حب لن ينساها التاريخ.
وحتى اليوم، تبقى كلماتها شاهدة على أن بعض الجراح لا تشفى، وأن بعض القصص خُلقت لتُروى لا لتُنسى:
معذورة أنت أن أجهضت لي أملي
لا الذنب ذنبك بل كانت حماقاتي
أضعت في عرب الصحراء قافلتي
وجئت أبحث في عينيك عن ذاتي
Leave a Reply