الحرب وتآكل القيم والموروثات

صحيفة الهدف

       بقلم: علي الدوش

مع الأسف أصبحنا نعيش مرحلة لم تكن في مخيال السودانيين، مضى زمن كنا نطلّع على صحيفة الأحداث المصرية وهي تُوثّق للانتهاكات والجرائم، نراها كأنها من كوكب آخر غير، الذي نعيش فيه، واليوم أصبحت تلك المشاهد والجرائم والانتهاكات

أمرًا واقعًا في ثقافة وموروثات السُّودان

وما كُنّا نستهجنه في ثقافتنا الموروثة في منحنى النيل، التي تمجّد القلم والحوار والتفاهم بالعقل والجودية، أصبح ممارسات يومية في حياتنا!

تبًا لمن أشاعوا ثقافة الانتقام والتّشفي بالقتل وجز الرؤوس والكراهية والبغض ونفي الآخر،

إن ثقافة التّسليح الشّعبي خارج مواعينه ومؤسساته إذا استمرت في بلادنا، سنسمع قريبًا بأخ يقتل شقيقه حول الميراث، وولد يغدر بأبيه من أجل نصيب في مزرعة أو تجارة أو بئر لتعدين الذهب، إنها ثقافة الحرب وتداعيات الانهيار، التي غُيّب فيها القانون والتّقاليد والأعراف والموروثات عن وعي الأجيال الجديدة، وعمل الإعلام الموجه ودعاية الحرب على تعبئة النفوس وتجييش المشاعر والعواطف السّالبة تجاه الآخر المختلف، أيًا كان موقعه، فحانت الفرصة بالحرب العبثية، لكل مغبون أو عاطل عن العمل ليحمل السلاح ويخفي رغباته في التشفي والانتقام وتحقيق طموحاته غير المشروعة في الحياة، ولا ننسى أن أجواء الحرب فتحت الأبواب مشرعة لتجار المخدرات والمجرمين، ليعيثوا فسادًا في عقول أبنائنا وشبابنا في غياب المدارس والجامعات وتفشي العطالة، وماذا تفيد خطب المساجد ونصائح المعلمين والتّربويين، في ظلال الحرب وإفرازاتها  وخطابها العدمي، الذي طغى على كل القيم السُّودانية السّمحة، التي أخذت طريقها تندثر، أمام فيضان الإعلام العالمي ومثيراته المبهرة، التي لا تعرف الحدود.

تبًا للحرب الملعونة، التي أكلت أجمل ما كُنا نفخر به ونفاخر العالمين، الصدق والتآزر والمحبة والإيثار والشّهامة والكرم والتسامح والتجاوز عن الصغائر ونجدة الملهوف واحتضان الضيف والغربب.

إنّ ما بناه الأجداد والآباء في مئات السّنين هاهو ينهار في سنوات الحرب، التي صحّرت النّفوس وأجدبت الحياة وأحالت الواقع إلى مشاهد لا تُطاق.

هذه دعوة للعودة للعقل، وإيقاظ الضمائر قبل أن يدركنا الطُّوفان، ما أصعب البناء وما أسهل الخراب، أن أرواح العظماء، الذين شيدوا تاريخ وحضارة هذه البلاد، تشعر بالألم من، الذي جرى بعدها، ومازالت الفرصة مؤاتية أمام القوى المدنية والمهنية والنقابية لتدارك الوطن وأبنائه وقيمه وموروثاته قبل أن نصل إلى مرحلة يصعُب معها العلاج، وحينها لن يفيد البكاء على اللبن المسكوب

أو البحث عن مشاجب نُعلّق فوقها إخفاقاتنا وتقصيرنا في بلادنا وما أوصانا به الجدود.

كيف نسمع إسماعيل  بعد الآن ونحن نخون كلماته وأشعاره، التي خلدها وردي، وكيف نحلم بالسّفر في ربوع الوطن من التاكا لجبل مرة، ومن حلفا إلى سنار.

إنّ الأمم الأخلاقُ ما بقيت فإنْ هم أخلاقهم ذهبت ذهبوا.

وإذا أُصيب القومُ في أخلاقهم فأقمْ عليهم مأتمًا وعويلًا.

تبًا للحرب والسّاعين في تسعير نيرانها، وخراب أرض النّخيل والتّبلدي والأبنوس. وماحاق بالدكتورة في مروي من طليقها أمام مشفى الضمان في وضح النهار وعلى مرئى وسمع بعض الحاضرين هو ترجمة فعلية لثقافة الحرب ومضاعفاتها وترك السلاح خارج مواعينة المعروفة

فتبًا للحرب وألف تب لداعميها ومسعريها.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.