
بقلم: أحمد مختار
#آراء_حرة
خراب ممنهج للموارد والمؤسسات وإفساد القيم والأعراف
إذا كان الاقتصاد هو كيفية إدارة الموارد المحدودة، لتلبية الاحتياجات غير المحدودة للأفراد والمجتمعات، فالحـ.ـرب هي الوسيلة التي دمّرت هذه الموارد المحدودة، وتعقّد معها أي محاولة لزيادة الإنتاج وجودة التوزيع وضبط الاستهلاك وترشيده لأن المجتمع فقد الاستقرار وتزعزع وجوده المادي، وتوقّفت مؤسساته، وغدا الحديث عن عدالة الخدمات وتخصيص الموارد بين الأنشطة المختلفة بلا جدوى أو معنى، وعمّت ندرة الخدمات والسلع بغياب الاستخدام المرشّد للموارد والمنتجات المتاحة، لأن الحـ.ـرب أحالت كل شيء إلى فوضى، ولم يعد هناك عرض وطلب يُحدّد سعر وكمية السلع والخدمات في السوق، لأنها محتكرة لأمراء الحـ.ـرب وتجار الأزمات وأصحاب النفوذ والسلطة، واختفت الكثير من مؤسسات الدولة وآلياتها، ولم يعد هناك قانون يضبط سلوك الأفراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية في تعاملها مع المواطن، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تُصنّف بلادنا كواحدة من أكثر الدول فساداً في العالم! فوفقاً لمؤشر مدركات الفساد، حصل السـ.ـودان على (15) نقطة فقط، من أصل (100) في العام 2024م، ممّا يُشير إلى وجود مستويات عالية من الفساد، بسبب غياب آليات المساءلة الحكومية والرقابة الشعبية والإعلام الحر، بالإضافة إلى عدم استقلالية المؤسسات الرقابية – ديوان المراجع العام والسلطة القضائية – والهيمنة السياسية على الخدمة المدنية، والمحسوبية، وغياب الشفافية، الأمر الذي قاد إلى غياب المعلومات الحقيقية حول الإيرادات والمنصرفات الحكومية وغير الحكومية، فطفح الفساد والثراء الحرام والمشبوه من موظفي الدولة، لتعمّدهم عدم الامتثال للقانون وآليات المحاسبة خلال الثلاثين عامًا الماضية من عمر السـودان، وبذلك تمّ تدمير الثقة في المؤسسات الحكومية، وفقد المواطنين الثقة في قدرة الحكومة على خدمتهم، وانتشر الفساد المؤسسي، من خلال هياكل السلطة المطلقة، وغاب دور المجتمع المدني في مراقبة أدائها ومحاسبتها، فتدهورت قيمة العملة المحلية، وزاد التضخم والانكماش، وفقد المواطن القدرة على شراء أبسط ضرورياته واحتياجاته اليومية. فمنذ بداية الحـ.ـرب خرجت الاستثمارات الأجنبية، وهربت رؤوس الأموال الوطنية لدول الجوار، وتوقّفت العديد من المؤسسات الخدمية واستغنت أخرى عن العاملين فيها، وازدادت بذلك نسب البطالة والفقر، وتراجع الإنتاج الزراعي لأدنى مستوياته، وأثّرت الحـ.ـرب بشدّة على الثروة الحيوانية ومراعيها، وتوقّف إنتاج الصمغ – السلعة النقدية المهمة – التي ظل الســودان يحتكر سوقها العالمي لسنوات طويلة، واعتمدت حكومة الحـ.ـرب على تهريب الذهب واستغلاله بطرق مضرة بسلامة البيئة وصحة المواطن.
ومن تأثيرات الحـ.ـرب المباشرة على الاقتصاد والمجتمع، استغلال المواطن وإذلاله من قبل أباطرة الفساد، بالابتزاز وإجباره على دفع رشاوي مرغمًا، واختلاس وتحويل الأموال والممتلكات العامة لمنافع شخصية والمحاباة والمحسوبية في المعاملات وتفضيل الأقارب والأصدقاء في التعيينات والعقود الحكومية، بل أصبح استغلال النفوذ واستخدام المنصب أو العلاقات، لتحقيق مكاسب غير مشروعة أمرًا عاديًا في ثقافة موظفي الدولة وممارساتهم، ويتم ابتزاز المواطنين في نقاط السيطرة والعبور من قوات نظامية أو غير نظامية، تتحكّم في أنفاس الضحايا وتحتكم لماسورة البندقية في السيطرة على مواردهم بدل الاحتكام للقوانين واللوائح وأجهزة العدالة، وكثيراً ما يُجبر المواطن على دفع أموال لفدية نفسه أو تقديم خدمة تحت التهديد والإرهاب، والاتهامات الملفّقة.
وتحت لافتة الحـ.ـرب العبثية، جرت عمليات غسيل أموال من أنشطة غير مشروعة، ورصد مراقبون عمليات تزوير واحتيال في العقود والمناقصات الحكومية، – أوضح أمثلتها تهريب الذهب – فقد تم تصدير ماقيمته 4.6 مليار دولار من الذهب بين عامي 2010-2024م بشكل غير قانوني. ووفقاً لتقرير النزاهة المالية العالمية للعام 2020م الصادر عن السـ.ـودان، تسرب من عائدات التجارة الدولية بين عامي 2012-2018م ما يُقدر بـ 30.9 مليار دولار، ومن جملة 650 شركة حكومية، لا تساهم سوى 12 شركة منها في إيرادات وزارة المالية! هذا قبل الحـ.ـرب، وتشير تقارير صحفية إلى إنتاج حكومة الانقلاب (84) طناً من الذهب، صُدّر منها (31) طناً, بعائدات تجاوزت 1.9 مليار دولار، بينما ملايين المواطنين اليوم مهددون بالموت جوعاً ومرضاً في العديد من مناطق السـ.ـودان.
ولم تنحصر أضرار الحـ.ـرب في التدمير الممنهج للحياة والمؤسسات، بل تعدى للقيم والأخلاق والأعراف والثوابت، فاليوم يعيش الســودانيون تحت رحمة شبكات واسعة من المتحصلين الماليين الصغار في الطرقات والمنافذ البرية والأسواق والمكاتب المالية في المؤسسات الخدمية، هي التي تتحكّم في المسافرين بين المدن، تسهل مرورهم أو إنجاز معاملاتهم بمقابل مادي بدون أي مسوغ أو قانون، وازدهرت في ظل هذا المناخ، تجارة السلع المغشوشة والمنتهية الصَّلاحِيَة، واتسع نطاق التجارة في (الكاش) والتحويلات البنكية، بمقابل وصل في بعض المناطق الملتهبة إلى 50%. والضحية هم المواطنون الأبرياء الذين لم يُستشاروا في الحـ.ـرب ولكنهم دفعوا ضريبتها الباهظة – وما زالوا – دمًا ومعاناةً وتشردًا ولجوءًا وضياعًا للمستقبل.
(استخدم في المقال أدوات البحث الحديثة والتقليدية)
Leave a Reply