تبًّا للمستحيل

منعم مختار

#ملف_المرأة_والمجتمع

في ظل الصراعات المسلحة والانقلابات السياسية، تاهت الأسر في دوامة الحروب والنزوح بعيدًا عن وطنهم الذي كان يومًا ما يعني لهم الكثير من الأمل. أصبحت الحياة فيه شبه مستحيلة، فتعطلت مقومات الحياة؛ وتوقفت الكهرباء والماء والتعليم والمستشفيات ووسائل الاتصال عن العمل. لم يكن هناك أمان، والخوف كان يسيطر على كل شيء.

من الأسر التي كابدت الأمرين؛ تلك الأسرة التي فقدت الأب، الرجل الذي كان يومًا ما مناضلًا ومدافعًا عن الحق والعدالة، سقط شهيدًا في ريعان عمره، تاركًا خلفه زوجة وثلاثة أبناء. عاشوا مرارة الفقد، واستمرت الحياة بعده. كانت تلك الأسرة المكافحة تعيش في منطقة كانت هدفًا دائمًا للهجمات والغارات الجوية، حيث أصبحت الشوارع مهجورة والبيوت مدمرة. لم يكن أمام الأسرة خيار سوى النزوح من منزلها، كحال معظم الأسر السودانية، تاركة خلفها كل ما بنته. نزحت إلى مدينة أخرى، لكن الأوضاع لم تكن أفضل. ونهاية المطاف، لم يكن أمامها خيار سوى اللجوء إلى دولة أخرى، وكحال معظم اللاجئين، شهدت الأسرة مواجهة جديدة من التحديات.

كانت السمة المميزة للسودانيين، التعاضد والتآزر، هي ما خفف عنهم. فبالرغم من البعد الجغرافي، ظلت هذه الأسرة محاطة بمحبة كل من عرف فضلهم ومواقفهم في مواجهة المحن. عرفانًا لهم، ومواقف الأم الجليلة التي لا زالت تمد يد التضامن للأصدقاء والمعارف، كانت هذه المحبة كخيوط النور في عتمة الألم، تحمل معها دفء التعاطف ودعوات وخطوات لا تنقطع لمساعدة الغير. بادلها الجميع وفاءً بوفاء في محنتها؛ فجاءت الرسائل والاتصالات والدعم المعنوي كشريان حياة، تذكرهم بأن هناك من لا يزال يؤمن بأن الإنسانية تولد من رحم المعاناة.

في بلد اللجوء، وجدت الأسرة نفسها أمام واقع جديد وحياة مختلفة تمامًا. العمل الشاق والضغوط النفسية أثرت على صحة الأم، لكنها لم تيأس أبدًا. أما الأبناء الذين كانوا يحلمون بمستقبل أفضل، فقد وجدوا أنفسهم مضطرين لترك مقاعد الدراسة والبحث عن وسيلة لكسب العيش.

لكن القدر لم يمهلهم طويلًا. فذات يوم، تم القبض على الابن، بدعوى عدم وجود أوراق ثبوتية ودخوله إلى بلد اللجوء بطريقة غير قانونية، رغم شرعية وجوده وصحة أوراقه. عانت الأم والبنتان أشد المعاناة أثناء سجن الابن، وكانتا تزورانه كل يوم، تحملان معهما الأمل والخوف. حكم القدر والسلطات بترحيله إلى وطنه، وودعت الأسرة ابنها وهي لا تعرف ما الذي ينتظره في المستقبل.

الأم التي كانت تتمسك بالأمل، وجدت نفسها أمام تحديات جديدة. فكيف ستعيش الأسرة بدون ابنها؟ في تلك اللحظة، شعرت الأم باليأس للحظات، لكنها لم تيأس. كانت تعلم أن الحياة لا تقف عند حد، وأن الأمل لا يموت أبدًا. ستبقى الأسرة متماسكة، وستواجه التحديات معًا، مهما كانت الظروف قاسية. رفضت الانكسار، ووقفت في وجه اليأس صارخة: “تبًا للمستحيل!” هي ليست فقط امرأة تقاتل من أجل أبنائها، بل قصة حية للإرادة البشرية حين تقرر أن تستمر. من قلب الألم تولد القوة، ومن عباءة الفقد ينبثق الإصرار، وهكذا كتبت الأم فصلًا جديدًا في كراسة الكرامة الإنسانية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.