
د. توتا صلاح المبارك
#ملف_المرأة_والمجتمع
كانت الشمس ساطعة الحضور، باذخة الحرارة في إحدى نهارات سيدة الأنهار وآلهة الشمس الحارقة، مدينة الخرطوم، حيث لا يملك الفرد إلا أن يتردد في السير على قدميه طويلًا.
…أتى هو يشق طريقه وسط الخرائب، وبقايا السلاح، والسكون الموحش، ورائحة الموت، وكل خطايا الحرب وعاهاتها تنهش خاصرة الوطن.
نعم، سار بجسده الذي يبدو أنه يتضاءل في حجمه كلما اقترب من الأسفل، مما يجعله مماثلًا لقطعة “كمثرى” مقلوبة. رغم ضآلة حجمه ذي الثمانية سنتيمترات التي لا يتعداها طوله، وعرضه الذي يتناءى عن ذلك ليحتضن عدد خمس سنتيمترات، إلا أنه لا ينوء بحمولة قد تبلغ خمسة كيلوغرامات وربما تزيد.
كان غاضبًا كغضب شمس ذلك النهار في عنفها وقسوتها، تبدى ذلك في تجهُّم قسماته التي فاضت بتعابير استياء وامتِعَاضٍ. حاول أن يصفق بيديه غضبًا كما يفعل البعض حين يثقل مساحة تحملهم شائن قول أو تهمة زور، إلا أن يديه كانتا ترتفعان أعلى وهما تحملان “كرتين” ثمينتين ليس بالإمكان أن يفرط بهما. أما أن يركل غضبًا، فهذا أيضًا يندرج في طائلة المستحيل، غير الممكن، إذ كان يمتلك رجلًا واحدة يتوكأ عليها.
تناثر سيل الكلمات الغاضبة منه وهو يسب ويلعن كل الذين نسبوا شرورهم وأوزارهم إليه قائلًا: “دي يقول ليك من ‘رحم الجيش’، والتاني يقول ليك ‘الدعم السريع’، وتالت يقول ليك ‘حركات مسلحة’. أنا ‘الرِحِم’ دي، خلوني براي، انتو ابقوا رجال ووقِّفُوا الحرب البديتوها”.
Leave a Reply