
بقلم: أمجد السيد
#آراء_حرة
في لحظة مفصلية من تاريخ السودان، بدا أن سحر إعلام الكيزان قد انطفأ، وتراجعت آلة دعايتهم التي طالما روّجت للأوهام، وروّعت العقول، ولبّدت الوعي الجمعي بشعارات منزوعة المعنى ومشاهد مفبركة. فها نحن نشهد اليوم، وبوضوح غير مسبوق، تراجعًا حادًا في التفاعل مع منابرهم وانكماشًا ملحوظًا في تأثير خطابهم.
لقد كان لإعادة السيطرة على الخرطوم والجزيرة، وما تلاهما من أحداث كبرى، وقع الصدمة على المواطن السوداني؛ تلك الصدمة التي بدّدت أوهام استعادة الدولة، وأظهرت الحقيقة المجردة: أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، وأن مشروع إعادة تدوير النظام القديم لن يفضي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة.
فما إن اختفى ضجيج الانتصارات الزائفة، حتى انكشفت العورة الكاملة لهذا الخطاب، إذ وجد المواطن نفسه في مواجهة واقع جديد من البؤس اليومي: انقطاع الخدمات، انعدام الأمن، تفشي المجاعة، وغياب الدولة بمؤسساتها، وهيمنة المليشيات والفوضى المسلحة.
هكذا بدأ يتشكل وعي جديد، لا بفعل التنظير السياسي أو الخطاب الثوري المجرد، بل كنتيجة مباشرة للمعاناة الملموسة. وعي تجاوز العاطفة المضللة، وأعاد الاعتبار للعقل النقدي، وفتح الأعين على كذب الدعاية وأكاذيب التحرير المزعوم.
هذا التحول النوعي في الوعي الشعبي، يتطلب من القوى المدنية الثابتة على مواقفها أن تعي حجم الفرصة التاريخية المتاحة الآن؛ فإعلام الحرب في أضعف حالاته، وخطاب التضليل يترنح، والناس يتعطشون إلى خطاب عقلاني صادق يلامس همومهم لا غرائزهم، ويمنحهم الأمل في بناء وطن لا تعود فيه الكوابيس.
إن مواصلة تكثيف خطاب الوعي القائم على مخاطبة العقول، لا دغدغة العواطف، هو المدخل الأساسي لهزيمة إعلام الك ي ز ا ن، لا في الفضاء الرقمي فحسب، بل في أذهان الناس وضمائرهم. فحين يسقط القناع، لا مجال سوى للوضوح، ولا مكان إلا للحقائق.
لم يعد الشعب السوداني يحتاج لمن يصرخ في وجهه بالشعارات، بل لمن يهمس في أذنه بالحقيقة. فالدعاية قد تنجح مرة، لكنها لا تصمد أمام الواقع، والوعي حين يولد من رحم الألم، لا يموت بسهولة.
Leave a Reply