
ياسر عوض
#ملف_الهدف_الثقافي
جرّدوا الحياة من بهجتها،
لأنها امتلأت بالعاشقين.
في البدء كانت الكلمة،
قال الشاعر للأشياء: كوني، فكانت.
يكفيه أن يرى،
وأن يُسمي الأكوان لكي تكون.
لنا أن نطوي المسافات كالريح،
وأن نمشي ملوكًا متوّجين
في الشوارع، دون حرس.
لنا أفكار نقيس بها وجودنا،
وأحلام تنمو،
قبل أن يبلغ الحزن مداه.
نحمل أطفالنا يوم الجمعة
كطعنة على خاصرتنا،
نروي قصة، وعناوينها، وصبرنا.
نتمشى مع غيرنا في السماء،
نرقص وحدنا في المساء،
نعيد ترتيب الفوضى،
نمارس سلطتنا كغائبين،
مبتسمين مع عناصر الطبيعة.
عينا أمي تُبرقان،
يوم ولدتني أخبرتِ العالم بأني الأجمل.
أبي سلّمني ميراث عشقي: العائلة.
جدّي علّمني الصلاة،
والوقوف على الميتين.
جدّتي خاطتني على قميص يوسف،
وأنا مغرمٌ بالبئر،
والسابلة يصلّون حسب ميقات المياه،
تقضي على الظمأ المركّب،
وتنحت طريقًا للعبور.
أرّقتني نجمة البلاد التي ارتدت الحداد،
نهَدت هشابة حبلي بالصمغ،
وتعرّت أمام المطر.
لبست الجغرافيا الخُضرة
وتزوّجت القمح،
واعترفت بماضيها
وأزواجها السابقين.
في هذه الليلة، أكتفي بالعتمة،
وأقرأ وصية الليل الأخيرة.
كل الدروب تؤدي إلى القصيدة،
وإلى الشوارع التي يسلكها القارئون.
من يرثُ الآن الشعر؟
من يرث تواريخ الكناية،
والتناصّات البعيدة؟
إنه القلب، يتصاعد نحو الفضاء،
تنهزم الجبال،
وتحني قاماتها الأشجار.
ندائي يسمعه أطفال المدارس:
في يومهم الأول يأتون خائفين،
في يومهم الثاني نسوقهم مُكرَهين،
لكنهم يُكملون العام تلو العام،
وفي آخر المشوار
يخرجون إلى الشوارع غاضبين.
نقضي الوقت نحسب
من قضى منا في فلتة الزمن المُكابِر،
نحسب على أصابعنا جغرافيا الرماد،
نُعمر الأرض خلفاء لله،
نتزاحم في بيوت صغيرة،
ولولا دَفع الناس، لأمكننا الوصول.
جرّدوا الحياة من بهجتها،
لأنها امتلأت بالعاشقين.
وأنا.. إلى الآن،
لستُ ممتلئًا بك!
Leave a Reply