سلطتان بلا شرعية السودان بين شبح التقسيم وأمل استعادة الوحدة


امجد السيد

منذ اندلاع الح’رب في السودان في أبريل 2023 كان واضحا أن خطورتها لا تتوقف عند الدمار المباشر وسقوط الضحايا وتشريد الملايين  بل تتجاوز ذلك إلى تهديد وجود الدولة نفسها وتمزيق جغرافيتها لصالح مشاريع خارجية وداخلية لا تمت بصلة لمصالح السودانيين ومع مرور الوقت. ومع ترسخ واقع قيام سلطتين متنازعتين إحداهما في بورتسودان والأخرى في دارفور  تزداد المخاطر التي تحيط بوحدة السودان وسيادته وسط غياب أي أفق وطني حقيقي لإيقاف الح-رب واستعادة المسار الديمقراطي.

الواقع الحالي أفرز سلطتين  كلاهما يدّعي الشرعية وحق تمثيل الدولة لكن الحقيقة أن أيا منهما لا يستمد مشروعيته من إرادة السودانيين السلطة الأولى في بورتسودان التي ترفع لافتة الشرعية الدستورية بينما بنيت على انقلاب عسكري أطاح بمسار الانتقال الديمقراطي والثانية في مناطق سيطرة الدع-م ال-سريع التي تبرر وجودها بقوة السلاح وليس بأي تفويض شعبي وبين هاتين السلطتين  يجد المواطن السوداني نفسه بلا صوت بلا أمان وبلا أمل في نهاية قريبة للح-رب.

قيام سلطتين متوازيتين لا يفتح الباب فقط لاستمرار الح-رب إلى ما لا نهاية بل يهدد بتحويل خطوط التماس العسكرية إلى حدود دائمة فتتحول الح-رب من نزاع على السلطة إلى تقسيم فعلي للبلاد. وهذا السيناريو هو البيئة المثالية لتدخلات إقليمية ودولية تبحث عن نصيبها من الجغرافيا والثروات سواء عبر مشاريع الوصاية الدولية أو دعم كيانات محلية تابعة لها  ما يعني أن السودان قد يصبح ساحة لتقاسم النفوذ لا دولة ذات سيادة

كل حديث عن وقف الح-رب عبر التفاوض يصطدم بعائق جوهري التفاوض بين سلطتين لا تمثلان الشعب لا يمكن أن ينتج سلاما مستداما فالسلام الحقيقي لا يُبنى على تسوية محاصصاتية بين أطراف السلاح بل على عملية شاملة تضمن حضور السودانيين في كل مناطق الح-رب والنزوح وأن يكون لهم الكلمة الفصل في تحديد مستقبل بلدهم هذا يتطلب آليات سياسية ومجتمعية جديدة تخرج من أسر معادلة الجيش مقابل الدعم السريع إلى مساحة أوسع تشمل المدنيين وتعيد الاعتبار للمطالب الشعبية في الحرية والسلام والعدالة.

رغم التعقيدات الداخلية  لا يمكن إعفاء المجتمع الدولي والإقليمي من مسؤوليته. فقد أسهمت سياسات بعض القوى الخارجية في إطالة أمد الح-رب عبر الدعم العسكري أو الصمت على الانتهاكات، بينما انحرفت الجهود الدبلوماسية إلى إدارة الصراع بدلاً من إنهائه المطلوب اليوم ليس فقط وقف إطلاق النار بل إلزام الأطراف بعملية سياسية تضع وحدة السودان وسلامة أراضيه كأولوية قصوى، وتفتح الطريق أمام انتقال مدني حقيقي، بعيدا عن هيمنة السلاح والمصالح الضيقة.

قيام سلطتين في السودان ليس مجرد واقع سياسي مؤقت بل قنبلة موقوتة تهدد بتقسيم البلاد وتفكيكها  وهو ما حذّر منه كثيرون منذ اليوم الأول للح-رب. ومع غياب الإرادة الوطنية الموحدة  يصبح صوت المواطنين هو الأمل الأخير لإنقاذ السودان من المصير الأسوأ ولعل الرسالة الأهم اليوم هي لا سلام بلا صوت الشعب  ولا وحدة بلا مشروع وطني جامع  ولا مستقبل للسودان في ظل سلطتين بلا شرعية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.