
نعمت بيان
26/7/2025
التحديات العالمية وغياب الحلول تٌفشل مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030
بتاريخ 25 أيلول/سبتمبر 2015 ، تم التوقيع على أجندة التنمية المستدامة من قِبل ممثلي 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، ووافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة . الأجندة تتضمن 17 هدفا” للتنمية المستدامة، والتي هي جزء من برنامج عمل واسع يتكون من 169 هدفا” متعلقا” بالمجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية بحلول عام 2030.
ونحن على بعد أقل من 5 سنوات من الوقت الذي حددته الأمم المتحدة لبلوغ اهداف التنمية المُستدامة 2030، ترى ما زال العالم بعيدا” عن تحقيق هذه الأهداف، وإن فقط 17% تم تنفيذها بينما أكثر من ثلث هذه الأهداف إما توقف أو تراجع حسب ما صرح به الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش الذي حذر من فشل المجتمع الدولي في تأمين السلام ومواجهة تغيّر المناخ وتعزيز التمويل الدولي، الذي يقوّض مسار عملية التنمية في الوقت الذي يتطلب الإسراع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مشيرا” إلى أن 23 مليون شخص قد وقعوا في براثن الفقر المُدقع، في حين ارتفع عدد الوفيات في صفوف المدنيين في النزاعات المسلحة بشكل كبير ( غزة مِثال)، وما يقارب 120 مليون نازح قسريا” الذين يعيشون في ظروف قاسية جدا تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة ( السودان مِثال). والأعداد تتزايد بشكل مخيف حيث تجاوزت الأرقام التي ذٌكرت في تقرير الأمم المتحدة. وهذا نتيجة عجز وفشل المجتمع الدولي بإيجاد حلول انقاذية من هذه الآفات.
قبل الخوض في عرض مسببات الفشل في السير قدما” نحو التنمية، نستعرض أدناه الأهداف الـ17 التي أدرجت على أجندة التنمية المستدامة وهي على الشكل التالي:
1.القضاء على الفقر
2.القضاء التام على الجوع
3.الصحة الجيدة والرفاه
4.التعليم االجيد
5.المساواة بين الجنسين
6.المياه النظيفة والنظافة الصحية
7.طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
8.العمل اللائق ونمو الاقتصاد
9.الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية
10.الحد من أوجه عدم المساواة
11.مدن ومجتمعات محلية مستدامة
12.الاستهلاك والانتاج المسؤولان
13.العمل المناخي
14.الحياة تحت الماء
15.الحياة في البر
16.السلام والعدل والمؤسسات القوية
17.عقد الشراكات لتحقيق الأهداف
ما الذي تحقق من أهداف التنمية االمستدامة وخاصة الأهداف الخمسة الأولى من الأجندة؟
على الصعيد العالمي،
إن تقارير الأمم المتحدة حول تحقيق أهداف التنمية المستدامة تّظهر تقدما” خجولا” في تحقيق بعض الأهداف على الصعيد العالمي على سبيل المثال، تحقيق جزئي للمساواة في التعليم في أغلب المناطق العالمية بين الفتيات والشباب، تحقيق النساء المزيد من النجاحات في السياسة والأعمال، ارتفاع معدل الحصول على الانترنت واستخدام الوسائل التكنولوجية، إضافة إلى انخفاض في معدلات الإصابة بمرض نقص المناعة البشرية، واستخدام الطاقة البديلة، بينما فشلت السياسات على المستوى العالمي في وقف الحروب ووضع حد للفقر والقضاء على الجوع والحد من البطالة ومعالجة أزمات عدم المساواة وفوضى التغيّر المناخي والأوبئة وغيرها من المسائل الحياتية الضرورية لرفاهية الإنسان.
على الصعيد العربي،
إن المنطقة العربية هي من أكثر المناطق في العالم تأثرا” بعدم تحقيق أهداف التنمية المُستدامة كونها تقبع على صفيح نار الصراعات والحروب الملتهبة التي أعاقت أي تقدم تنموي في المدى المنظور، فمن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الاسرائيلي في فلسطين، إلى حرب السودان العبثية وتداعياتها، ناهيك عما حلّ في العراق بعد الاحتلال، إضافة إلى اليمن وليبيا وسوريا ولبنان وايضا” الأحواز العربية المحتلة المنسية. فهذه البلدان لن تشهد أي تقدم تنموي إن لم تنعم بالإستقرار . ولكن من جانب آخر، الوضع ليس سوداويا” بالنسبة للبلدان العربية الأخرى التي تشهد استقرارا” أمنيا” واقتصاديا، كدول دول مجلس التعاون العربي ودول المغرب العربي.
ولتبيان مسار تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية والتحديات التي أعاقت السير قدما” بها، نستعرض بشكل موجز ما جاء في التقرير العربي للتنمية المستدامة 2024 الذي أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع هيئات الأمم المتحدة في المنطقة العربية المعنية بمتابعة تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 مسار التقدم في تحقيق اهداف التنمية ، وتبيان المعوقات في عدم تنفيذ هذه الأهداف كاملة على صعيد البلدان العربية. إن تقرير عام 2024 هو تكملة للتقرير السابق الصادر في عام 2020، الذي يتضمن العوائق التي تستدعي معالجة جادة ومكثفة، للمضي قدما” في تحقيق اهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
ركز التقرير على السياسات الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، والذي تضمن مسحا” لاتجاهات السياسات العامة من تنفيذ الأهداف على المستوى الإقليمي وعلى صعيد مجموعات البلدان التي قُسمت على الشكل التالي: بلدان مجلس التعاون الخليجي (الامارات العربية المتحدة، البحرين، عُمان، قطر، الكويت والسعودية)، والبلدان المتوسطة الدخل ( الأردن، تونس، الجزائر، لبنان، مصر والمغرب، يُستثنى منها البلدان التي تمر بصراعات)، وأقل البلدان نموا” ( حسب تصنيف الأمم المتحدة هي: جزر القمر، جيبوتي، الصومال، موريتانيا، واليمن)، والبلدان التي تشهد صراعات (سوريا، السودان، الصومال، العراق، ليبيا، اليمن ودولة فلسطين)، حيث يبين التقرير ما يشوب السياسات من ثغرات، وتأطير الاتجاهات في سياق التحديات الهيكلية والأولويات الإنمائية الناشئة، وذلك بالعلاقة مع البيانات الإقليمية عن اهداف التنمية المستدامة.
أسباب فشل تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيد العربي
إن السياسات التي وُضعت لتحقيق أهداف اجندة التنمية المستدامة في المنطقة العربية لم تبلغ الهدف المنشود لأسباب عديدة أهمها، الصراعات والحروب التي تعاني منها العديد من الدول العربية،( فلسطين، السودان، سوريا، ليبيا، اليمن ولبنان) والتي شكلت قي المقام الأول تحديات حقيقية في وجه تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أدت جائحة كوفيد-19 إلى عرقلة جهود التنمية وفاقمت حالة الفقر وأرهقت النظم الصحية في العديد من البلدان العربية، عدا عن نقص التمويل، والتغيّر المناخي،و تزايد النمو السكاني، والتقلبات الاقتصادية، ناهيك عن الفساد المستشري في العديد من البلدان الذي أعاق جهود التنمية من خلال تحويل الموارد المالية عن المشاريع التنموية، وضعف المؤسسات والحوكمة، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين فئات المجتمع، وازدياد الفقر الذي أثر بدوره على جميع جوانب التنمية من تعليم وصحة وفرص عمل ، إضافة إلى ضعف البنية التحتية في قطاعات مثل الطاقة والنقل والاتصالات، وعدم المساواة بين الجنسين ، ولا يمكن إغفال إن السياسات التي وُضعت لم تترافق بخطط عمل واقعية مدعومة بالموارد. هذه المعوقات والتحديات نسفت مسار التقدم على مدى سنوات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
التقدم المُحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في بعض الدول العربية
رغم التحديات والمعوقات الي أعاقت تحقيق أهداف التنمية، الا انه وحسب التقرير العربي، أحرزت مجموعتان فقط من مجموعة بلدان المنطقة تقدما” كبيرا” نحو تحقيق عدد قليل من الأهداف، وهما مجموعة بلدان مجلس التعاون الخليجي ومجموعة بلدان المغرب العربي. ومن المتوقع أن تحقق بلدان مجلس التعاون الخليجي المقاصد المنشودة بحلول عام 2030 في خمسة أهداف هي: (1) القضاء على الفقر، (2) القضاء على الجوع، (3) الصحة الجيدة والرفاه، (4) التعليم الجيد، (6) المياه النظيفة والنظافة الصحية.
أما مجموعة بلدان المغرب العربي، فقد احرزت تقدما” كبيرا”حسب تقييم التقرير، وهي قريبة جدا من تحقيق المقاصد المنشودة بحلول عام 2030 على صعيد الهدف (1) القضاء على الفقر، والهدف (11) المدن والمجتمعات المُستدامة. لكن في المقابل سجلت هذه المجموعة تراجعا” في تحقيق الهدف (2) القضاء على الجوع، بينما تراجعت بلدان المشرق العربي في تحقيق الهدف (2) القضاء على الجوع، والهدف (8) العمل اللائق ونمو الإقتصاد، والهدف (15) الحياة في البر، والهدف (14) الحياة في البر.
فيما يتعلق بمجموعة (أقل البلدان نموا”)، ينبغي تحليل التقدم بحذر بحيث واجهت جميع بلدان هذه المجموعة تحديات في جمع البيانات خلال السنوات الماضية، باستثناء الصومال.
أما مجموعة بلدان المشرق العربي ، فقد تعثرت في التقدم نحو الهدف (2) القضاء على الجوع، نتيجة لتراجع لبنان على مسار هذا الهدف، وتباطؤ التقدم في الأردن ومصر، وأعاق الجزائر والعراق وليبيا إحراز أي تقدم في مجموعتي المغرب والمشرق العربي. وإن نقص البيانات قد اعاق تنفيذ الهدف (5) المتعلق بالمساواة بين الجنسين على مستوى مجموعة البلدان ككل. ومع ذلك أحرز الأردن ودولة فلسطين تقدما كبيرا”، في حين أحرزت دول مجلس التعاون الخليجي، باستنثاء السعودية، تقدما” كبيرا” نحو الهدف (6) المتعلق بالمياه النظيفة والنظافة الصحية.
كما أحرزت معظم البلدان تقدما” مقبولا” نحو الهدف (7) الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة، والهدف (9) الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية، والهدف (17) عقد الشراكات لتحقيق الأهداف. في المقابل تعثر التقدم نحو تحقيق الهدف (8) المتعلق بالعمل اللائق ونمو الإقتصاد في دول المشرق العربي بسبب التراجع في العراق ودولة فلسطين ولبنان. الملفت أن التقرير والتحليل لم يشمل اليمن وسوريا والسودان وليبيا وذلك لعدم وجود بيانات حديثة يمكن الاستناد إليها لإعداد توقعات وتحليلات حول التقدم نحو اهداف عام 2030.
في المحصلة، إن عواقب عدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة خطيرة وهادمة للمجتمعات، حيث سيتفاقم الفقر والجوع، وعدم المساواة، وسيزيد التلوث البيئي، ويتراجع النمو الاقتصادي، وستزيد معدلات فقدان الأمن الغذائي و انتشار الأوبئة والأمراض، عدا عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي. لذا ولتجنب هذه التداعيات ، يستوجب بذل جهود مكثفة وتعاون دولي لبلوغ الأهداف المرجوة، عبر اتخاذ اجراءات وتدابير على مستوى السياسات لتجاوز المعوقات والتحديات، من خلال وضع خطط عملية وجدية تتعلق بزيادة الموارد، وتنفيذ إصلاحات ضريبية ومؤسسية، واعتماد الشفافية، والعمل على الحد من الفقر والبطالة عبر توفير فرص عمل، وسن قوانين لحماية الأطفال من العنف والعمالة، وتوفير التعليم الجيد والتأمين الصحي للجميع ، وزيادة الاستثمار في القطاعات الانتاجية، كالقطاع الزراعي، وتحسين الدخل بما يتلائم مع الظروف الاقتصادية للأفراد والحد من عدم المساواة بين الجنسين، وتوفير الحماية الاجتماعية للأسر، وتحسين البنى التحتية، والأهم من كل هذا وقف الحروب التي تستنزف الموارد وتحرق البشر والحجر.
ختاما”، إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 وإن كان غير متاحا” للأسباب التي ذُكرت في سياق المقال، إلا أنه غير مستحيل إن توفرت الإرادة لتحقيق ذلك، وتضافرت الجهود على كافة المستويات، وتم تبني كامل وشامل ومستدام لأجندة التنمية من أجل بناء عالم يسوده السلام والعدالة والمساواة ومستقبل أفضل وآمن للجميع.
المصادر:
1.https://www.unescwa.org/ar/publications/ تقرير-عربي-تنمية-مستدامة-2024
2.https://news.un.org/ar/story/2023/07/1121832
Leave a Reply