عضو قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي وجدي صالح لـ”الهدف”: 

لا شرعية حقيقية لأي من الحكومتين المتنافستين في السودان

الانقسام السياسي يغذيه خطاب الكراهيَة والاستقطاب الجهوي والقبلي، ما يهدد وحدة البلاد

تشكيل حكومة جديدة من قبل قوات الدعم السريع وحلفائها يعمق الانقسام ويهدد السلم الوطني

الصراع في السودان طبقي في جوهره، وليس مجرد خلاف جغرافي أو إثني

المجتمع الدولي منقسم في تعاطيه مع الأزمة، والدور الفاعل يجب أن ينبع من إرادة الشعب السوداني

وقف الحرب شرط أساسي لأي حل سياسي أو إعادة بناء حقيقي

مبادرات الرباعية الدولية خطوة مهمة لكنها تواجه تحديات كبيرة بسبب تعارض مصالح الدول المشاركة

الجبهة المدنية الشعبية هي الحل الواقعي لإنهاء الحرب وتحقيق السلام الدائم

—-

في ظل استمرار الانقسام السياسي الحاد في السودان، ووجود حكومتين متنافستين على السلطة، يطرح هذا الواقع تحديات كبيرة أمام استقرار البلاد ووحدتها الوطنية. وفي حوار خاص مع صحيفة “الهدف”، يوضح وجدي صالح، عضو قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي، رؤيته حول هذه الأزمة المركبة التي يغذيها خطاب الكراهية والاستقطاب الجهوي، معتبراً أن الحل لا يمكن أن يتحقق إلا بوقف الحرب فوراً، وتوحيد القوى السياسية والمدنية في جبهة شعبية واسعة تقود البلاد إلى مرحلة انتقالية سلمية. كما يناقش صالح دور المجتمع الدولي، وتداعيات الانقسام الحالي على حياة المواطنين، ويطرح توقعاته للمستقبل في ضوء التطورات الأخيرة والاجتماعات الدولية المرتقبة.

حوار: الهدف

■ كيف تقيمون الوضع الحالي في السودان مع وجود حكومتين متنافستين؟
في ظل الانقسام الحكومي ووجود حكومتين متنافستين على السلطة في السودان، من المهم التأكيد على أن أياً منهما لا تمتلك شرعية حقيقية للحكم. فلا شرعية ثورية، ولا شرعية توافقية، ولا حتى شرعية انتخابية تُخوّل لأي طرف أن يدّعي تمثيل الشعب السوداني. ورغم وجود مؤيدين لكل طرف في مناطق مختلفة، إلا أن هذه الكتل لا تمثل الإرادة الشعبية الكاملة، ولا تعبّر عن الأغلبية من جماهير الشعب السوداني.

■ ما هي التداعيات المحتملة لهذا الانقسام على مستقبل البلاد؟
هذا الانقسام السياسي تداعياته خطيرة، فهو يُغذّى، للأسف، بخطابات الكراهية والاستقطاب الجهوي والقبلي، ما أدى إلى شرخ على أساس اجتماعي عميق يهدد وحدة البلاد، ليس فقط على المستوى السياسي، بل على المستوى الاجتماعي والنفسي أيضًا. لقد تم استخدام هذه الخطابات كوقود للحرب، وتم توظيفها في معارك التأييد الشعبي، مما فاقم الأزمة الوطنية. إن معالجة آثار هذا الخطاب المسموم والانقسام المتجذر، تتطلب جهداً كبيراً حتى بعد وقف إطلاق النار. والحل لا يكون إلا بوقف الحرب اللعينة فورًا، والاتجاه نحو معالجة أسبابها الجوهرية، وفي مقدمتها غياب الشرعية.

■ وهل هناك مخرج لأزمة الشرعية المزدوجة هذه؟
كما سبق وقلت: لا يوجد لأي من الطرفين شرعية، سواء كانت مستمدة من توافق أو ثورية أو انتخابية، وهذا لا يتوفر لأطراف الحرب. الحل يتمثل في إيقاف الحرب ومعالجة آثارها، والوصول إلى صيغة توافقية مدنية لإدارة الفترة الانتقالية تقود البلاد إلى انتخابات، وأن يبتعد العسكريون عن حكم البلاد.

■ هل ترون أن الحوار بين الأطراف المتنازعة ممكن في ظل الظروف الراهنة؟
لا يمكن لأي من الطرفين أن يفرض أمرًا واقعًا بالقوة، فهذه الحرب لن تُحسم بانتصار طرف على آخر، بل ستنتهي حتمًا بالتفاوض والوصول إلى اتفاق شامل. ومن هنا، فإن الحل يكمن في التوافق على صيغة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية، تقود البلاد إلى انتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب السوداني ممثليه الحقيقيين. كما ينبغي على المؤسسة العسكرية أن تبتعد تمامًا عن العمل السياسي والسلطة، حتى في ظل الظروف الراهنة، لأن استمرار تدخلها في السياسة يُبقي البلاد رهينة للفوضى والعنف.

■ ماذا يريد الدعم السريع وحلفاؤه من تشكيل حكومة؟ هل هو تصعيد سياسي أم محاولة لفرض أمر واقع؟
في الحقيقة، هو الأمران معًا. ما حدث يمثل تصعيدًا سياسيًا واضحًا، وفي الوقت ذاته محاولة لإرساء أمر واقع جديد يتمثل في وجود حكومة تقابل حكومة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان. هذا التطور من شأنه أن يُعمّق حالة الانقسام، خاصة أن هذه الحكومة لم تعد تتحدث باسم قوات الدعم السريع فحسب، بل باسم تحالف سياسي تم تأسيسه حديثًا، وهو ما يشكل واقعًا سياسيًا جديدًا. وبالتالي، فإن الحوار القادم لم يعد بين جيشين فقط، بل بين سلطتين سياسيّتين، وهو أمر لا يصب في مصلحة البلاد.

تكمن الخطورة في أن قبول هذا الواقع قد يُفضي إلى تسوية تعترف ضمنيًا بوجود سلطتين متوازيتين، وهو ما يخدم مصالح بعض الأطراف، خاصة تلك المتمركزة في بورتسودان، التي بدأت تُعامَل كسلطة أمر واقع من قِبل بعض دول الجوار والإقليم. في المقابل، حكومة الدعم السريع أيضًا تسيطر على مساحة جغرافية واسعة، لا تقل من حيث الاتساع عن رقعة السيطرة في بورتسودان. ومع إعلان تشكيل حكومة هناك، فإن الواقع الجديد يفرض نفسه على الإقليم والمجتمع الدولي، حتى وإن لم يُعترف به رسميًا، كما حدث سابقًا في ليبيا.

وإذا استمر هذا الوضع، قد يُفضي إلى اتفاق شبيه بما جرى في ليبيا، كالمحافظة على بنك مركزي موحد، أو اتفاق حول موارد النفط وكيفية نقله وتوزيع عوائده. وهذه الترتيبات قد تُفضي إلى نوع من “اللاحرب”، أي حالة تجميد للصراع دون إنهائه فعليًا، ما يسمح باستمرار مصالح بعض القوى المتحاربة، ويطيل أمد الحرب، ويهدد وحدة البلاد ونسيجها الاجتماعي.

■ على ضوء ذلك التحليل، كيف تصف طبيعة الصراع في السودان؟
من المهم التأكيد على أن طبيعة الصراع في السودان، رغم محاولات تغليفه بخلافات جهوية أو إثنية، هو في جوهره صراع طبقي. فهناك قوى تسيطر على الثروة والسلطة، سواء في بورتسودان أو في مناطق سيطرة الدعم السريع، وهي فئة قليلة تحتكر الموارد وتحاول تصوير الصراع كصراع جهوي أو قومي، في حين أن جوهره يتعلق بمن يملك السلطة والثروة ومن لا يملك.

حتى داخل مناطق الهامش، هناك مركز صغير يهيمن على السكان المحيطين به، ويعيد إنتاج نفس المنظومة التي ثار الشعب ضدها. وفي ظل وجود سلطتين لا تُلبيان تطلعات الجماهير، لن يكون هناك استقرار حقيقي.

■ كيف يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا بناءً في التعامل مع هذه الأزمة؟
عندما نتحدث عن المجتمع الدولي، فإن المقصود هو الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيقاد. لكن في ظل الانقسام الدولي الحاد، وخاصة داخل مجلس الأمن، لا يُتوقع أن تلعب الأمم المتحدة دورًا فاعلًا في حل الأزمة السودانية.

لكن من الممكن أن تلعب بعض القوى الدولية المؤثرة – مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، فرنسا – أدوارًا أكثر تأثيرًا. إلا أن تضارب مصالح هذه الدول مع القوى الإقليمية الفاعلة في السودان يعقّد الوصول إلى تسوية متوازنة. ومن هنا، فإن الحل الحقيقي يجب أن يكون سودانيًا، ينبع من إرادة الشعب، ويجد دعمًا خارجيًا عند الحاجة، لا أن يكون مفروضًا من الخارج.

■ ما تأثير هذا الانقسام الحكومي على حياة المواطن السوداني العادي من حيث الخدمات الأساسية؟
الوضع مأساوي. حين تنقسم البلاد، وتخضع كل منطقة لسلطة مختلفة، فإن حركة السلع والخدمات تتأثر سلبًا، وتزداد معاناة الناس، خصوصًا في ظل الحصار كما هو الحال في الفاشر وكادوقلي. رغم ذلك، فإن المواطنين في كل المناطق لا يزالون بحاجة لإدارة حياتهم. وقد نجحت بعض المبادرات الشعبية خلال الحرب في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وهذه التجارب يجب أن تُدعم وتُطوّر.

■ عقب تأجيل اجتماع الرباعية، ماذا تتوقعون؟ وهل هذه الآلية قادرة على إحداث اختراق حقيقي؟
الاجتماع خطوة نحو الحل، لكنه يواجه تحديات كبيرة. تعارض مصالح الدول المشاركة يُعقّد إمكانية الوصول إلى اتفاق حاسم. لا أظن أن هناك اختراقًا وشيكًا، لا سيما أن استقرار المنطقة مرتبط بما يجري في غزة وفلسطين، وهو ما سينعكس على الوضع في السودان بحكم موقعه الإستراتيجي.

■ هل تعتقدون أن أصوات السودانيين ممثلة بشكل كافٍ في المبادرات الدولية؟
للأسف، لا. المبادرات تُناقش بعيدًا عن السودانيين أنفسهم، سواء القوى السياسية أو المدنية. الحل لا يتم إلا بحضورهم وبمشاركة فعلية على طاولة التفاوض، وفق رؤية موحدة تُعبّر عن الشعب.

■ ما السيناريوهات المحتملة لما بعد اجتماع الرباعية؟
السيناريو الأقرب هو استمرار العمليات العسكرية بهدف فرض أمر واقع جديد. لكن قد يفرض الضغط الدولي مسار تفاوضي لوقف إطلاق النار، يليه حوار سياسي. وقد يؤدي ذلك إلى سيطرة عسكرية على المشهد، مع تهميش القوى المدنية.

■ في ظل الظروف الإنسانية الراهنة، ما أبرز التحديات لعودة النازحين واللاجئين؟
أبرز التحديات هي استمرار الحرب وانعدام الأمن. لا يمكن الحديث عن عودة أو إعادة إعمار دون وقف القتال. العودة قرار فردي، والمنظمات الدولية لا تملك أن تفرضه على أحد.

■ رغم تعقيد المشهد، لماذا تصرون على أن “الجبهة الشعبية العريضة” هي الحل؟
لأنها الحل الواقعي الوحيد. الجبهة ليست مجرد شعار، بل مشروع سياسي ومدني يُعبّر عن طموحات السودانيين. نعمل على توسيع التحالفات لبناء هذه الجبهة على أسس واضحة وفاعلة.

■ كيف تقيمون فاعلية حزب البعث العربي الاشتراكي حاليًا؟
الحزب ملتزم بدوره الوطني. نعمل مع القوى الأخرى لتوحيد الصف المدني، وإعادة إحياء روح ديسمبر، وقيادة البلاد نحو سلام حقيقي وانتقال ديمقراطي شامل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.