لحن المساء: “أنا مش كافر” زياد الرحباني

أنا مش كافر
زياد الرحباني
#ملف_الهدف_الثقافي

“أنا مش كافر… بس الجوع كافر، والذلّ كافر، والمرض كافر، والجهل كافر”.
هكذا صرخ زياد الرحباني في وجه العالم، لا ليثبت إيمانه، بل ليكشف عن حقيقة أخرى:
أن الإيمان لا يصمد حين يُسحق الإنسان.
أن الخبز أهم من الموعظة، وأن الكرامة لا تُخطب على المنابر، بل تُنتزع في الشوارع، حيث يقف المنسيّون على أبواب المستشفيات، وحيث يتساقط الحلم في طوابير الخبز.

“أنا مش كافر”… لم تكن نشيد تمرد، بل ترنيمة وجع.
لحن مسائي خرج من بين أصابع زياد على البيانو، واختلط بدخان بيروت، وهواجس المقهى، ورائحة الدم التي لا تزال تفوح من جدران الحرب.

زياد، الذي ورث الموهبة والتمرّد معًا، لم يكن فقط امتدادًا لمدرسة الرحابنة، بل انحرافًا صاخبًا عنها.
كان الوجه الذي لم تجرؤ المرايا على عكسه.
غنّى للمقهور، وكتب للمُهمّش، وسخر من السياسيين وهم يرتّبون كلمات الخداع في مؤتمراتهم الصحفية.

“أنا مش كافر”… أغنية تجاوزت حدود اللحن، وصارت مشروعًا نقديًا، وموقفًا فلسفيًا، وتجسيدًا صريحًا للمآزق الوجودية التي يعيشها الإنسان العربي في ظل أنظمة مأزومة، وسياقات مشروخة.

في لحن المساء، نعيد الاستماع، لا إلى الأغنية فقط، بل إلى ذلك الصدى الغائر في أعماقنا:
“ما تقولوا الله يرضى، الله مش طايقنا…”

زياد الرحباني، الذي علّق مرآةً في وجه العالم، لا يزال يكتب، لا يزال يُلحّن، لا يزال يرفض.
هو ليس نبيًا، لكنه حتمًا…
“مش كافر”.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.