في وداع فلذة كبد جارة القمر “فيروز”.. الموسيقار زياد الرحباني

عبد الخالق محمد أحمد بشير
#ملف_الهدف_الثقافي

غيّب الموت يوم 26 يوليو 2025 الموسيقار والملحن والمسرحي والشاعر والصحفي زياد عاصي الرحباني، الابن البكر لجارة القمر “فيروز”.

زياد، المولود في بلدة أنطلياس بتاريخ 1 يناير 1956، يُعدّ واحدًا من أعظم الشخصيات تأثيرًا في الموسيقى والمسرح في لبنان والوطن العربي. لمع نجمه ونبوغه في بواكر عمره، حين أعطاه عمه منصور الرحباني كلمات أغنية “لا تسألوني” لتلحينها وهو في السابعة عشرة من عمره، أثناء غياب والده عن إحدى البروفات المسرحية بسبب وعكة صحية حادة. لاحظ منصور تأثر فيروز بهذا الغياب، فكتب كلمات الأغنية، ولحّنها زياد، لتتغنى بها والدته، وتصبح واحدة من أشهر أغانيها.

نظم ولحّن لفيروز أكثر من 30 عملًا فنيًا، من أبرزها أغنية “كيفك إنت”، التي لاقت رواجًا واسعًا. وقد مزج في أعماله بين الطابع الغنائي الأصيل الذي عُرفت به والدته، وموسيقى الجاز، في نقلة نوعية استهدفت تجديد الذائقة الفنية ومواكبة أذواق الأجيال المتعاقبة.

عرف زياد الرحباني بأسلوبه المباشر، وسخريته اللاذعة، وفكاهته في السرد. لم يكن نقده لكبار الفنانين بدافع الغرور أو الغيرة، بل كان يسعى لترسيخ مفاهيم نقدية عميقة وعلمية، بعيدًا عن الشخصنة أو التصيد.

أشاد كثيرًا بصوت الفنانة التونسية لطيفة، وأنتج معها ألبومًا ناجحًا، وكان بصدد العمل على ألبوم ثانٍ لم يكتمل بسبب المرض، ما أدى إلى انقطاعه عن الإنتاج الفني. كما دعم صوت النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب، وكان من أكثر المعجبين بإمكاناتها وموهبتها.

في السياسة، كان زياد يساري الهوى، منتميًا للتيار الماركسي، ومتأثرًا بالمفكرَين حسين مروة ومهدي عامل. تحدث بصراحة عن الفوارق الطبقية، وعن الجوع والفقر الناتجَين عن تراكم الثروة في أيدي الفاسدين واللصوص والطفيليين، وتمنى قيام مجتمع تسوده قيم العدل والمساواة والتوزيع العادل للثروات.

كان له موقف حازم من الاحتلال الصهيوني، الذي اعتبره ربيب الإمبريالية العالمية، وظل طوال حياته مساندًا قويًا للقضية الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني. كما عبّر عن رفضه القاطع للتدخلات الأجنبية في الشأن العربي.

كانت آراؤه واضحة في رفض التطرف والغلو، سواء السُّني أو الشيعي، وانتقد بشدة بعض المرجعيات الدينية لما اعتبره جمودًا في التفكير وتعطيلًا للعقل والاجتهاد، واعتبر أن ذلك أحد أسباب زج الشباب في محرقة الإرهاب.

شيّعه جمهور غفير من أبناء شارع الحمرا، حيث ترعرع، وسط حضور فني وسياسي ورسمي غير مسبوق.
ووري الثرى في مقابر بلدة شويا قرب بكفيا – محيدثة، في مدفن خاص يقع على أرض تتبع لآل الرحباني.

لقد ودعنا، وودّع الوطن العربي، موسيقيًا فذًا، بلغ من الإبداع درجة وضعته جنبًا إلى جنب مع سيد درويش وبليغ حمدي، في مصافّ العباقرة الذين رسموا ملامح الموسيقى العربية الحديثة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.